ليس من الصعب على أي إنسان أن يقلب صفحات التأريخ ليجد بأن كل مشروع إصلاحي – على مر التأريخ – قد تصدى لمحاربته عدو بأساليب مختلفة ، وأهمها الأساليب (التسقيطية) ، التي تأتي نتيجة عجز أعداء المشروع الاصلاحي من أن ينالوا من مفردات المشروع ، أو يتخرصوا على غاياته النبيلة . لقد تصدى العراقيون (الصدريون ومن معهم) لمشروع إصلاحي ، غايته كبح جماح المفاسد والتردي الذي أنتجته المحاصصة ، ورسخته مشاريع الاحتلال في خطواتها الأولى عبر الانتخابات (الكيدية) التي أودت بالعراق إلى هاوية التردي ، وسببت انهياراً واضحاً في المنظومة (القيمية) والأخلاقية العراقية ، وكسرت أواصر الانتماء للوطن والأرض ، واستبدلتها بالانتماء للحزب والمجموعة والطائفة والعرق . ورغم أن الصدريين والعراقيين الذين تصدوا لقيادة وترسيخ هذا المشروع قد كانوا يعرفون بأنهم (لم ولا ولن) يكونوا بمعزل عن تخرصات وانتقادات الشخوص الذين وقعت مصالحهم الفئوية والحزبية والشخصية تحت طائلة التهديد جراء المطالبة بالاصلاحات ، ورغم أنهم يعرفون بأن هناك (أجندات) خارجية سوف لن يطربها صوت المطالبين بالاصلاح ، أقول ، رغم كل ذلك ، فقد استمرت التظاهرات والاعتصامات بشكل أدى الى تطور الأحداث ، بحيث قام المعتصمون بالتعبير عن غضبهم ، وذلك عبر اختراق (المنطقة الخضراء) الأكثر تحصيناً في بغداد ، ووصلوا إلى (قاعة البرلمان) ، بمساعدة الوطنيين من ضباط ومراتب القوات الأمنية ، كنوع من أنواع التعبير عن غضبهم المكتنز في صدورهم ، والذي جاء كردة فعل على تجاهل (الحكومة والبرلمان) لمطالبهم . مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية الأكثر انتشاراً ووضوحاً ومصداقية ، والتي التقطها (المعتصمون المتظاهرون) الذين دخلوا قاعة البرلمان – بعد مغادرتهم للقاعة – تثبت كلها بأن جماهير الثوار الذين اخترقوا القاعة قد غادروها وهي كاملة الأثاث والتفاصيل ، ولم يتم (نهب أو سلب) أثاثها ، ولم يتم العبث بموجوداتها الثابتة ، بل ثمة صور ومقاطع فيديوية تثبت وقوف الفتية من أبناء التيار الصدري (متشابكي الأيدي) للحفاظ على موجودات القاعة ، ولمنع بعض المندفعين و (المندسين) من العبث بها . ورغم أن البعض يحاول أن (يلصق) هيبة قاعة البرلمان بـــ (هيبة العراق) ، أو يجعل من قاعة البرلمان رمزاً لــ (هيبة العراق) ، ولكن العاقل لا يحتاج لذكاء مفرط لكي يعرف بأن بناية البرلمان قد فقدت قدسيتها وهيبتها و (كرامتها) وقيمتها الاعتبارية منذ أن أصبحت السبب الأول في فقدان هيبة العراق ، وكانت سبباً رئيسياً من أسباب انهيار (دولة) كانت تسمى (الدولة العراقية) ، بل ربما يعي الجميع بأن قاعة البرلمان هي المسؤول الأول عن تصدير (الارهاب والفساد والسرقات) الى المجتمع والشارع العراقي . ورغم كل ذلك ، فقد كان الذين اخترقوا بناية البرلمان حضاريين ووطنيين ، وأثبتوا حرصهم و (سلميتهم) في الحفاظ على البناية وموجوداتها ، على الأقل لكي يقمعوا صوت المتخرصين الذين يريدون أن يصوروا للعالم بأن هذه (الثورة الاصلاحية) هي ثورة (فوضوية) ، لكي يثيروا مخاوف وحفيظة العراقيين . الغريب ، وبرغم بوجود مقاطع الفيديو والصور التي توثق عدم العبث بالقاعة ، فقد خرج علينا البعض – دون حياء – بصور تبين وجود زجاج مكسور أو وجود نفايات على الأرض أو وجود (قنفة) ملطخة بالدماء ، لتؤكد فرضية (الفوضى) الكاذبة والبائسة ، والتي حاول البعض اصطناعها ليخلوا يد الثوار من مصداقية سلميتهم . ثم بدأت (الأكاذيب) والاشاعات والتخرصات والمنشورات والبوستات التي لا تقبلها سوى (العقول) المهيئة مسبقاً لقبول هذه الترهات ، والتي جائت لتدل بوضوح على ضحالة مستوى أعداء الثورة الاصلاحية ، وفقدانهم للشرف الاعلامي والمهني ، وعجزهم عن تبرير انحطاط أدائهم الحكومي والبرلماني ، في محاولة لصرف نظر المواطنين عن خلل الآداء وفشل العلاج ، وإلقاء الكرة بملعب الشعب المطالب بحقوقه . لقد كانت غضبة الشعب كبيرة ، وقد جائت كردة فعل على سوء الإدارة الحكومية ، وهرطقات القرارات البرلمانية ، ولذلك ، فقد صاحب ذلك – وهذا مما لا يستساغ عندنا – بعض الاعتداءات على بعض البرلمانيين من الذين لم يحترموا الطوفان الجماهيري ، ولم يقدروه حق قدره ، متناسين أن الذين اخترقوا قاعة البرلمان ليسوا كلهم من الأنبياء أولاً ، ومتغافلين عن أن أهل النزق والانفعال والمندسين موجودون حتى في جيوش الأنبياء ثانياً ، ومتجاوزين مشاعر الغاضبين الذين أوصلتهم قرارات البرلمان إلى الانهيار النفسي والانكسار والجوع والفقر والتردي . إن أبنء التيار الصدري ومعهم المتظاهرون والمعتصمون والذين اخترقوا المنطقة الخضراء وتوغلوا في قاعة البرلمان ، يبحثون عن (عدو) شريف ، لا يكذب ، ولا يزوّر ، ولا يتخذ من اللف والدوران أسلوباً لمعالجة ألأزمة .