كل يوم تخرج علينا مفاهيم جديدة تصوغها احزاب السلطة تتهم فيها الأحرار من أبناء الشعب بمجرد محاولتهم التعبير عن أفكارهم وآراءهم ضد الفساد والسرقات والقتل والتدمير الممنهج ضد هذا الشعب الصابر الأبي منذ ثلاثة عشر عاماً ، بعد أن عانى وكابد من نظام جثم على صدره لخمسة عشر عاما قبلها ، واستبشر خيرا بزواله على أيدي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وليس على أيدي هذا الشعب المستكين دوماً والذي ينتظر القدر لكي يغير له أوضاعه البائسة ، ولكن ذلك لم يحدث بل حدث للأ سف ما هو أسوأ منه .وعندما خرجت أعداد كبيرة منذ شباط 2011 للمطالبة بالتغيير كانت بشرى خير أن تصحوا الجماهير بعد غيبوبة دامت قرابة عشرين عاماً حيث كانت الانتفاضة الشعبانية ضد النظام السابق. إلا أن الأساليب المالكية في التسويف والتمييع أذابت هذه التظاهرات ووأدتها قبل ان تحقق أهدافها، في وقت وصفت فيه التظاهرات التي خرجت في الانبار ونينوى وسامراء والحويجة وتكريت بأنها ذات أهداف تخريبية وإتهمت بارتباطها بدول إقليمية وحينها ردد المتظاهرون شعارات طائفية وبأنهم قادمون الى بغداد لتحريرها من طائفة اخرى على حد تعبيرهم ، ووصفوا بالمغرضين والمندسين والمحرضين ، فكان عدم الدفاع عن تلك التظاهرات وإنهاءها وملاحقة القادة و المنظمين مسألة لا غبار عليها حفاظاً على أمن البلد ككل ، ولكن ما العذر في التعاطي الأهوج مع هذه التظاهرات ؟
عندما عادت التظاهرات مرة اخرى في بغداد ومحافظات الفرات الاوسط والجنوب بشكل أوسع من قبل منذ حوالي تسعة أشهر ، بدأت الحكومة الجديدة والسياسيين السابقين الذين لا يزالون يمتلكون زمام السلطة ولديهم مراكز قوى في مؤسساتها بقمع هذه التظاهرات ، التي كان آخرها استخدام القوة المفرطة بعد الاقتحام الثاني للخضراء وقتل وجرح عدد من المتظاهرين. ولهذا العمل اللاقانوني عدة مخرجات أتناولها هنا بشكل مختصر :- لأول مرة منذ عام 2003 يجري قمع دموي لمتظاهرين سلميين لم يرفعوا سوى أعلام العراق وورود يحملونها بأيديهم فسالت الدماء التي تنبؤ بأنها لن تنسى من قبل ذويهم والمتظاهرين وعامة أبناء الشعب.- استنكرت منظمات دولية تصرفات الحكومة العراقية القمعية وفي مقدمتها الامم المتحدة ومنظمة هيومن رايتش في تقارير نشرتها وهي تعد وثائق تاريخية تدين من قام بهذه الأفعال من حكومة وقوات أمنية مستقبلاً ، فقد دعت الأمم المتحدة قبل عدة ايام ،
الحكومة العراقية إلى فتح “تحقيق فوري مستقل وشفاف” بشأن ملابسات استعمال القوات الأمنية القوة ضد المتظاهرين. فقد قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، روبرت كولفيل، خلال مؤتمر صحفي، عقده في جنيف إن “الحكومة العراقية ينبغي أن تفتح تحقيقاً فورياً مستقلاً وشفافاً بشأن ملابسات استعمال القوات الأمنية القوة ضد المتظاهرين .”كما أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم أمس الجمعة إن قوات الأمن العراقية أطلقت الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على متظاهرين سلميين بالمنطقة الخضراء في بغداد الاسبوع الماضي، فقتلت 4 أشخاص وأصابت أكثر من 100 آخرين. داعية السلطات العراقية للتحقيق في استخدام القوة القاتلة ضد متظاهرين سلميين. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “لم يكن لدى قوات الأمن التي تحمي المنطقة الخضراء أي سبب مشروع لإطلاق النار على المتظاهرين الذين لم يمثلوا أدنى خطر على حياتهم أو حياة الغير. على الحكومة أن تفتح سريعا تحقيقات في وقائع القتل وأن تأمر قوات الأمن بالامتناع عن استخدام القوة القاتلة إلا عند الضرورة القصوى لإنقاذ أرواح”. ان ما تقوم به الحكومة من توجيهات لقوات أمنية ، تشير المصادر الى انها في اغلبها ليست نظامية ، بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين هو جريمة اول من يحاسب عليه القائد العام للقوات المسلحة ، وعليه ومن سانده بالفعل ولو المشورة ان لا ينسون التاريخ القريب عندما حكم على الطاغية الاول في العراق الحديث بالإعدام بسبب حادثة واحدة فقط وهو اعتقال وقتل عد من أبناء الدجيل لأنهم هاجموا موكبه بالنيران ولم يستطع الدفاع عن نفسه عندما قال بأننا دافعنا عن أنفسنا من نيران أطلقت علينا ، فكيف ستدافعون عن انفسكم مستقبلاً ؟ هل ستقولون بأنكم قتلتم وجرحاهم متظاهرين سلميين هم في اغلبهم من أبناء جلدتكم ومن طائفتكم ومذهبكم ، حاملين الاعلام العراقية والورود ، مرددين ( سلمية … سلمية)، و( عاش العراق .. عاش الوطن) ؟- عندما تظاهر شيعة البحرين ضمن حدود بلدهم ثارت ثائرة قادة ومسؤولين شيعة وفي مقدمتهم ( وزير الجنجلوتية) المغرم بالكونفوشيوسية ، فخطب خطبة عصماء في حق المتظاهرين البحارنة وهاجم حكومتهم متهما إياها بالقمع ، فلماذا يبرر قمع أبناء بلده هو وبقية الساسة الشيعة الذين لم يقدموا لهؤلاء المساكين اية منافع او خدمات ؟ بل قتلوهم وسرقوهم ونهبوا ثرواتهم ومنعوا تقديم الخدمات لهم وهي جزء من حقوقهم ، وعندما تظاهروا لوقف القتل والتفجيرات والسرقة والنهب والفساد وغيرها فوجهت لهم فوهات البنادق وكان نصيبهم القتل . – استخدمت الحكومة وأحزاب السلطة مفردة ” مندسين” التي بدأت تطلق على المتظاهرين الأحرار ، ولغاية عصر امس الجمعة اتهم المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، المتظاهرين في ساحة التحرير بإثارة الشغب وعاد ليصفهم ، “بالمندسين” وبمهاجمة القوات الأمنية بـ”شعل نارية”. وهنا لابد من القول بأنه لا يعقل ان يكون أبناء شعب يقدر عدده ب 35 مليون نسمة مندسون وساسة جاء اغلبهم من الخارج لا يزيد عددهم عن ألف شخص هم الوطنيون. بل إنهم هم المندسون بين أبناء الشعب الاصلاء وتشهد عليهم كل افعالهم التي قاموا بها منذ عام 2003 وحتى اليوم ، أما من تظاهر أو دعم المتظاهرين في الداخل والخارج ولو بقلبه وهو اضعف الإيمان فانهم هم الأحرار الوطنيون الذين سينصفهم الله والتاريخ في المستقبل القريب بالقضاء على الشرذمة الباغية.