22 نوفمبر، 2024 11:40 م
Search
Close this search box.

الاعتذار فعل نضالي

الاعتذار فعل نضالي

تعج هذه الأيام صفحات التواصل الاجتماعي ، بما يشبه حملة دعائية مغلفة بالسخرية والتهكم بحق ناشطين اعتليا منصات الاحتجاج والتظاهر منذ أكثر من خمس سنوات ، ولم تأت هذه الحملة من فراغ ، إنما نتيجة طبيعية لما صاحب الاحتجاج والتظاهر من انخفاض مستوى أدائه وربما انحرافه أيضا نحو مراكز القوى اقترابا وتماهيا ، والاعتماد على مسوغات براغماتية كانت فرية ” الكتلة التاريخية ” عنوانا لها ، حتى بدا الأمر وكأنه تسليم بمستوى وعي شائخ لا يتعكز على اي منجز حضاري او اجتماعي ، ملبسين القالب النظري على واقع يتحرك بإرادات سياسية بحتة ، وان بدت مؤطرة بمفاهيم عقائدية مؤدجلة ، متناسين كذلك ان هذا الوعي ليس انعكاسا شرطيا لمستوى حركة المجتمع وإنما حالة قسر(واجب) ، يعد هدفا للحصول على موقف شعبي ساند (شرعية) للطموح السياسي الخالي من اي مشروع حقيقي لبناء مجتمع مدني ، وعليه فان على هذين الناشطين الاعتذار عما بدا من اجتهادهما الذي ساقتهما اليه نجوميتهما المستمدة من تاريخهما المليء بالانجازات ،والتاريخ مليء باعتذارات الشخصيات الفاعلة في المجتمع في سجل نضالات الشعوب ، فما حدث كان خطأً لهما يد فيه ، فلم يتحقق شيئا باتجاه بناء قاعدة شعبية حاضنة لمشروع مدني منقذ ، بل على العكس ،تم نتيجة ذلك ترسيخ مبدأ المحاصصة والسير قدما نحو انتخابات تعيد الخارطة بنفس معالمها. لقد بدأت الاحتجاجات بشكلها العفوي التلقائي في شباط 2011 والذي كان يعبر عن نضج الارادة النخبوية المثقفة والواعية لملاحقة عملية التغيير الحادثة في تونس ومصر بواسطة القوة الجماهيرية التي احتشدت في الساحات والشوارع حتى اسقطت النظامين وبات الحلم في عملية تغيير حقيقية قاب قوسين او ادنى من ذهنية النخب العراقية حتى سارعت وملأت ساحة التحرير في بغداد والساحات في المحافظات فارعبت كل الاطراف بما فيها الاطراف الدولية والاقليمية الداخلة في عملية التغيير في العراق ، ومنذ شباط 2011 فصاعدا اصبحت حركة الاحتجاجات حالة واقعة وطرفا يمثل الارادة الناضجة في عملية تفكيك واعادة بناء اسس المجتمع العراقي سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا ، ما استدعى موقفا جادا من قبل هذه الاطراف لاحتواء هذه الاحتجاجات وما ورائها من اهداف ، ولان الحالة العراقية منذ نيسان 2003 وحتى اليوم ليست عراقية صرفة ، فان كل الذي حدث ويحدث فيها تتنازعه ارادات ومشاريع لها قوتها على الارض وفي خضم الاحداث مهما كانت صورها وتنوعها ، وهذا ما يفسر الانقسام الحاد بين الاطراف السياسية التي اصبحت اليوم تقف على ملكيات وجيوب بقوة الحصة السياسية والسلاح والخلفية الساندة سواء اكانت شعبية تعتمد على الموروث الثقافي
الديني او متدادات خارجية بحسب الاستجابة ، واستمرت الاحتجاجات تعبر عن نفسها المدني وتوجت انفعالها الحقيقي والجاد في تظاهرات 31 اب 2013 في بغداد والمحفظات (مع اقتراب الموعد الانتخابي 2014) اذ رفعت شعاراتها الناضجة بضرورة الغاء امتيازات الطبقة السياسية المتمثلة في اعضاء البرلمان ومجالس المحافظات واصحاب المناصب وذوي النفوذ وترفع ايضا شعار تعديل بعض القوانين او اقرارها من ضمنها قانون الاحزاب وقانون الانتخاب ، وشعار القضاء على الفساد لانه اصبح ظاهرة سرطانية نخر حتى القيم الانسانية في العلاقات بين الناس . هذه المظاهرات تم مواجهتها بالعنف والتضييق والدعاية المضادة وراحت مراكز القوى تبحث عن ثغرات لاحتواء الناشطين فيها ، بعد ان استجابت لبعض المطاليب ، وما يقلق هذه القوى ان الانتخابات على الابواب وهناك ضرورة فعلية لتحييد التيار المدني ، وحدث هذا فعلا وتمكنت القوى المتنفذة من اعادة انتخاب نفسها ثانية لتودع ممثلي التيار المدني في زاوية ضيقة او لربما ميتة ، وهذا يعني احتجاج مدني بلا اي غطاء سياسي (جماهيري ممثل ) ، هنا انكشف الامر تماما ، التمثيل السياسي في البرلمان اعتمد على التصنيف الاجتماعي الديني والعشائري والاثني والمناطقي ، وان الوعي المدني لدى الجماهير ضعيف جدا مثله مقعدان واخر كوتا لا يمثلان اي توجه حقيقي لاي مشروع مدني ، بعبارة اخرى التمثيل المدني السياسي في البرلمان يساوي صفر.
وتاتي الحرب مع داعش وانخفاض اسعار النفط ليقضيا نهائيا على اي امل لوجود مدني فاعل وتنقسم الارض العراقية واقعيا وعمليا لثلاثة اجزاء بحسب التقسيم السياسي المعلن ، ثم ياخذ الناشطون مواقعهم في التكتلات السياسية ضمن المشاريع الاعلامية والثقافية بما فيهم الاكاديميون والفنانون واللادباء وباقي النخب ، وتبدو احتجاجات تموز 2015 مع بداية تغيير شخص رئيس الوزراء ، وكانها فعل منظم من قبل مراكز القوى كاخر عملية احتواء للخطاب المدني اذ بدأت الكتل السياسية جميعها بدون استثناء ومعهم النواب في البرلمان تاييدا واضحا وصريحا لمطالب المحتجين حتى انتهت اليوم بالمشاركة الحقيقية او قيادة هذه الاحتجاجات لتتحول المطالب الشعبية الى عملية مناكفات سياسية صريحة بين اطراف مراكز القوى ويشهد البرلمان ولاول مرة ابطالا يحظون بماركة حركة جماهيرية في الشارع وتنتهي فصول الحراك المدني بهذا السيل من الفاظ التهكم والسخرية للناشطين الذين بدأو بها وانتهوا والى ان يكونوا ضمن مشاريع القوى السياسية ومدافعين عنها .

أحدث المقالات