أولا اعتذر للقراء الأعزاء من الموظفين لأنني استخدمت هذا المثل الدارج شعبيا عنوانا لمقالتي ، ورغم هذا الاعتذار فان ما يدور حول الوظائف الحكومية يتماشى مع محتوى ومضمون هذا الموروث الجميل في التعبير ، فبعض السياسيين تركوا أمور البلاد والعباد المهمة وذات العلاقة بأمنهم ومعيشتهم ، ولم يهمهم سوى الكلام عن تدبير أو قطع رواتب الموظفين وبشكل يوحي بان الموظفين هم عبئا على الدولة ( الحديثة ) التي تشكلت بعد 2003 ، ومن المؤسف جدا أن تخرج شخصيات تحسب على التكنوقراط لكي تصرح بان معدل عمل أكفأ موظف حكومي لا تزيد عن 20 دقيقة يوميا ، وهذه الشخصيات التي تدعي الأكاديمية والمعرفة والعلم لم تقدم نتائج دراسات أو استبيانات أو مسوحات بهذا الخصوص ، فهي تستثمر وجودها السياسي لكي تطلق ما تشاء من أحكام لغرض الإثارة وكسب ود فئات محددة من الجمهور ، ولا يعني ذلك إننا نتقاطع معها كليا إزاء هذا الموضوع ، ولكن المفروض أن تعرض التصريحات المؤكدة بضوء منهجية علمية مقرونة بحقائق فعلية تحدد أين وكيف بدلا من التمسك بالتعميم على الجميع لأنه يلحق ظلما بالموظفين المخلصين بحق ، ولكي لا نبتعد عن الموضوع فان العدد الحالي للموظفين يصل إلى 4,5 مليون موظف وقد ازداد عددهم بعد عام 2003 أي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، فعدد الموظفين قبل 2003 لم يكن يزيد عن 1,5 مليون موظف وقد انخفض العدد إلى النصف خلال ال14 سنة الأخيرة بسبب الإحالة إلى التقاعد لبلوغ السن القانوني أو الوفاة أو لعدم الانسجام مع الفوضى الحالية للوظيفة العامة أو الهجرة إلى خارج العراق ، مما يعني إن أكثر من 3,5 مليون موظف قد تم تعيينهم بعد سقوط النظام ، واغلب التعيينات لم تخضع إلى أية أسس موضوعية لعدم وجود مجلس للخدمة الاتحادية أو التعيين المركزي أو قواعد محددة أو موصوفة للتعيين ، ونشير بهذا الخصوص إن عشرات الآلاف من الموظفين قد أعيد تعيينهم في الوظائف الحكومية بإغراءات الرواتب العالية والمخصصات بغض النظر عن الملاك الوظيفي والاحتياجات الفعلية للتعيين ، والقنوات التي سمحت بعودتهم هي ( تاركي العمل ) والمفصولين والمتضررين السياسيين التي أثبتت اللجان المعنية في مجلس الوزراء بطلان ادعاءات العديد منها بهذا الخصوص ، ويعني ذلك إن اغلب التعيينات تمت بقرارات سياسية أو من قبل السياسيين وهم بذلك يتحملون مسؤولية الترهل الذي يتحدثون عنه اليوم .
إن الهدف من التعيين في الوظائف الحكومية هو الخدمة في الأجهزة الحكومية والحفاظ مكانة وسمعة الدولة وهي أهداف نبيلة بكل المقاييس ، فالموظفون يكرسون حياتهم ووقتهم وجهودهم لخدمة الوظيفة العامة ويقبلون بشروط مذعنة ومرتبات غير مغرية عند المقارنة بمدخولات أقرانهم في القطاع الخاص أو غيره من القطاعات إيمانا منهم بأنهم يقدمون خدمة للوطن والجمهور ، ويشمل ذلك الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي والضابط والجندي والفراش والحارس وكل العناوين الوظيفية ، وتحرص الدول على تنمية مهارات وسلوكيات الموظفين لأنهم أساس النهضة والإنتاج وتقديم الخدمات وخلق المنفعة واستيفاء الإيرادات ومنها الضرائب والرسوم وتحقيق الأمن والاستقرار والقيام بالواجبات نيابة عن الدولة ، ومن المؤسف أن يتحول بلدنا إلى واحدة من البلدان القليلة التي تبخس بموظفيها وتعتبر وجودهم ورواتبهم كأنها منة أو صدقة ، حيث يظهر البعض من أصحاب الرواتب الضخمة والامتيازات النادرة ليقول أن الدولة ستقطع رواتب الموظفين ثم يناقضه آخر ليقول بان رواتبهم قد تم تأمينها لغاية نهاية العام الحالي ، وهناك من تناسى بان الموظفين كانوا يتمنون الهروب من الوظيفة بطرق آمنة قبل 2003 كون البطاقة التموينية تحجب عن تاركي العمل حيث كان الموظف لا يتقاضى أكثر من 5 دولارات كل شهر ، كما إن البعض لا يدرك حقيقة مفادها بأنه لو كانت هناك فرص عمل في القطاعات غير الحكومية لما تبقى في الوظيفة العامة إلا عدد محدود من الموظفين ، ونشير بهذا الخصوص إن تحميل الموظفين ( منية ) الرواتب بعد تخفيضها واستقطاع مبالغ كبيرة منها كل شهر ، يؤدي إلى التذمر وعدم الرضا وضعف الولاء وما ينعكس على ذلك من فقر إنتاجية الموظف وتفاقم الفساد بأنواعه واستثمار اقرب فرصة للخروج المبكر من الوظيفة وبشكل يبقي على ضعيفي الكفاءة وممن لهم دوافع منخفضة في الأداء ، وهو ما يتطلب اعتماد منهجية ملائمة في التخاطب مع الموظفين وعدم إشعارهم بأنهم عالة على الدولة ، فمن يتحمل مسؤولية عدم بلوغ إنتاجية بعض الموظفين لتكلفة رواتبهم هي الأنظمة الإدارية الفاشلة والفاسدة وانعدام الخبرات والكفاءات القيادية القادرة على استثمار جهود هذا الثروات الهائلة والمهمة من الموارد البشرية ، التي من المفترض أن نستثمرها كونها الثروة الأهم فقد وهبها الخالق كنعمة والعيب بمن يحاول تحويل نعم الله إلى نقمة للعراق