تزامنا مع استمرار تصاعد حدة القتال شمال سورية “حلب” بين المنظمات الرديكالية المدعومة من الجانب التركي الحدودي وبين مقاتلي الجيش العربي السوري، أعلن في شكل مفاجئ من أنقرة عن عودة برنامج تدريب “المعارضة السورية المعتدلة”، والبدء بوضع اللمسات الأخيرة لمشروع تدريب “جديد” للمعارضة السورية في معسكرات خاصة بتركيا، وهنا لن نخوض بتفاصيل ومعطيات وحقائق واهداف هذه العودة من قبل واشنطن وليس من قبل أنقرة وسنترك الحديث بمجمل هذا الموضوع للقادم من الأيام للأستيضاح عن بعض الحقائق والخفايا لما يدور خلف الكواليس في شأن موضوع “تدريب المعارضة السورية المعتدلة” حسب تصنيف واشنطن وحلفائها لها.
بالتحديد سيكون محور حديثنا هنا عن التدخل العلني التركي وعودة الحديث عن المناطق العازلة ودعم المجاميع الرديكالية بشمال سورية “حلب”، ومن هنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصا بعد معارك محافظة حلب الاخيرة أن القوى الاقليمية والدولية وخصوصا تركيا، قد عادت من جديد لتمارس دورها في اعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية بكل اركانها، وما هذا التطور إلا جزء من فصول سابقة، عملت عليها الاستخبارات التركية منذ سنوات عدة، فهي عملت على أنشاء وتغذية وتنظيم صفوف المجاميع المسلحة الرديكالية المعارضة للدولة السورية وخصوصا بشمال وشمال غربي وشمال شرقي سورية، وقد كانت الحدود التركية المحاذية للحدود السورية شمالا، هي المنفذ الوحيد لمقاتلي هذه المجاميع، فهذه الحدود المحاذية للحدود السورية كانت وما زالت المنفذ الأكبر لتجميع وتنظيم صفوف هذه المجاميع المسلحة على اختلاف مسمياتها في سورية، وكل ذلك كان يتم بدعم استخباراتي ولوجستي أميركي – تركي.
ما وراء الكواليس لما يجري في أنقرة يظهر ان هناك مشروعا تركيا قيد البحث يستهدف القيام بدعم المجاميع الرديكالية المسلحة بسورية للدفع بها اتجاه الأراضي السورية شمالا وبحجج واهية، وهذه الحجج حسب مراقبين تدخل ضمن إطار الدخول المحتمل للجيش التركي الى الاراضي السورية، وإقامة مناطق عازلة ومناطق حظر جوي بأقصى الشمال السوري، وكل هذا سيتم بحجج إعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم وتوفير مناطق آمنة لهم، وهذا ما يتم بحثه الآن بأروقة صنع القرار الاميركي أيضا، الرافضة لليوم للمشروع التركي بأقصى شمال سورية وبعض الأجزاء الشمالية الشرقيه من سورية، ولكن من المتوقع ان تمنح واشنطن أنقرة وحلفاءها هامشا من المناورة وستطلق أيديهم ان أستطاعوا لتجهيز الأرضية العسكرية والسياسية لإقامة مناطق عازلة ومناطق حظر جوي بأقصى الشمال السوري.
من الواضح ان موقف أنقرة الساعي لإقامة مناطق عازلة بشمال سورية، يدعمها ويلتقي معها بهذا الطرح الكثير من الدول الخليجية إضافة الى فرنسا وألمانيا، ومع زيادة مسار ضغوط بعض ساسة وجنرالات واشنطن «الجمهوريين والمقربين منهم» على أوباما للموافقة على طرح ونقاش هذا الطرح التركي، قد يجد اوباما نفسه بمرحلة ما مضطرا للانسياق وراء المشروع التركي لإرضاء بعض خصومه داخل الكونغرس وبعض حلفائه الأوروبيين والعرب الخليجيين.
هنا وبشق آخر يبدو واضحا ان هذا المسعى التركي المدعوم بأجندة اقليمية ودولية لإقامة مناطق عازلة بشمال سورية، سيصتدم بمجموعة «لاءات» روسية- ايرانية، فهذا المسعى يحتاج الى قرار أممي لتمريره والفيتو الروسي الصيني حاضر دائما، إضافة الى «لاءات» إيران المعارضة لأي تدخل خارجي بسورية تحت أي عناوين، وعلينا هنا ان لا ننسى ان الجمهورية العربية السورية ما زالت بما تملكه من قدرات عسكرية قادرة على اسقاط أي مشروع علني لتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر بسورية.
ختاما، نقرأ أن أنقرة بعثت بكل رسائلها لكل الاطراف وخصوصا للدولة السورية والروسية ولإيران، بأن ساعة الصفر للتدخل العلني بسورية قد اقتربت، وهذا ما ترفضه في شكل قاطع كل من روسيا وايران، وحتى مصر المحايدة بالملف السوري نوعا ما، وهذا ما قد يحتم على الدولة السورية وبدعم من حلفائها بالقادم من الأيام للرد المباشر على الدولة التركيه ان اقتربت من الخطوط الحمر بالشمال السوري وبحلب تحديدا، ومن هنا فإن المرحلة المقبلة تحمل العديد من التكهنات والتساؤلات حول تطور الاحداث على الجبهة الشمالية السورية، التي أصبحت ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، والقادم من الايام من الارجح سوف يحمل المزيد من الاحداث المتوقعة وغير المتوقعة ميدانيا وعسكريا على هذه الجبهة تحديدا.
[email protected]