منذ بداية النظام السياسي الجديد في العراق والى اﻵن تبرز في كل مرحلة أزمة سياسية معقدة قد تولد أساسا من طبيعة التجربة الديمقراطية الفتية أو قد تختلقها بعض الأحزاب لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة، وبين هذه وتلك تتقاطع الرؤى وتختلف المبادرات فيعلو غبار اﻷزمة وتفتقد الرؤية الصحيحة.هنالك ماتسمى بسياسة (فرض اﻷمر الواقع) التي يعمل بموجبها الكثير من الجهات السياسية الفاعلة فترى ضجيج المزايدات يرتفع وكل طرف يحاول تمشية خياره بمعزل عن خيارات اﻵخرين وترى البعض يحاول القفز على الواقع فيأتي بخيارات مرحلية ينتفع بها انتخابيا ويحقق امتيازاته التي ماطل من أجل الحصول عليها وبعدها يفرض الواقع نفسه وتذهب تلك المبادرة هباء منثورا وتتظاعف المشاكل والمتضرر الوحيد هو المواطن!أما من يتابع بإنصاف،منهجية المجلس اﻷعلى في التعامل مع اﻷزمات والمتغيرات السياسية يرى بوضوح مبدأ (الواقعية السياسية) والذي يعتبر من أهم المبادئ السياسية التسعة للمجلس، فترى المبادرات والحلول الوسطية المرضية للجميع و التي تعتمد الرؤية الصحيحة فتحاكي الواقع ولاتقفز عليه وترى الحكمة والاعتدال في الخطاب وعدم اهانة أو تجريح اﻵخرين والنظر الى مصلحة المواطن ومستقبل الوطن قبل كل شيء، وترى الابتعاد عن التنظيرات الفارغة والمماحكات الضيقة التي لاتفضي الا الى نتائج تعقيدية تضاف الى التعقيدات التي خلفها النظام الديكتاتوري السابق.الحفاظ على التوازنات الوطنية وتدعيمها وتأصيلها في جسد النظام السياسي، مثل محورية دائمية في كل رؤية أو مبادرة يطرحها المجلس الاعلى، فيرى المجلس أن استقامة النظام السياسي وتصفير الازمات لايكون الا بمشاركة الاطراف القوية الممثلة لمكوناتها فلا حكومة عادلة ولامستقرة لايكون فيها شيعي قوي وسني قوي وكردي قوي وتمثيل مناسب لﻷقليات،وكذلك يرى المجلس الاعلى ان انسجام التحالف الوطني ووحدة قراره، يعبدان الطريق لنجاح اي حكومة وحتى الاطراف الاخرى، عندما تجد التحالف الوطني منسجما وموحدا فليس أمامها الا القبول بخيارات التحالف وهنا يتحقق الانسجام الوطني ويتوحد قرار الوطن.هذه الرؤى والقناعات التي يؤمن ويعمل بها المجلس الاعلى كانت حاضرة في أي مشروع أو مبادرة يطلقها رغم أن كثيرا من تلك المبادرات قد سببت له خسارة انتخابية بنسبة معينة مع انه كان يعرف جيدا أنها ستخسره كثيرا من الاصوات ولكن الصوت الانتخابي لا يمثل في منهجية المجلس الاعلى الا وسيلة لخدمة المواطن وليس غاية للوصول الى مواقع السلطة وامتيازاتها.
ولطالما اعترص الكثيرون على تلك المبادرات الواقعية وبعد مدة زمنية بدؤوا يعضون أصابع الندم على عدم تطبيقها، فالفيدرالية التي دعى اليها عزيز العراق (رحمه الله) في عام 2006 في وقت كان مناسبا جدا لكي يقطع الطريق على كثير من الازمات السارية حاليا وتسكت الكثير من الاصوات التي تشكوا المظلومية والحرمان او التهميش !واليوم عاد الجميع ينادي بفيدرالية السيد الحكيم في وقت لايتناسب على الاطلاق مع هكذا مشروع.واقعية المجلس الاعلى كانت سببا رئيسا في امتناعه عن التصويت على سحب الثقة عن رئيس الحكومة السابقة وحتى رئيس الحكومة الحالية مع المؤشرات العديدة التي وضعت على أداء الاول والتباطؤ والتلكؤ الكبير في عمل الثاني، الا أن المجلس الاعلى يرى أن الحفاظ على الاستقرار السياسي في المنعطفات المصيرية أهم من كل شيء، والقبول بالواقع والبحث عن خيارات واقعية أخرى أفضل بكثير من المضي بسياسة فرض الامر الواقع التي ستفقد الدولة جميع المكتسبات وتعود بها الى المربع الاول وتذهب دماء اﻵلاف من شهداءنا اﻷبرار ،سدى ولات حين مندم !.