18 نوفمبر، 2024 4:40 ص
Search
Close this search box.

لماذا نحن هكذا ؟ (2)

من المؤكد إن جيوش أمريكا لم تقطع آلاف الكيلو مترات وتدخل العراق إكراما لسواد عيون الشعب العراقي وإنما تلبية لمصالحها الخاصة ولكنها قد حققت فرصة تاريخية للشعب العراقي بعد عام 2003 لبناء دولة متطورة بالمفهوم الحديث حيث قدمت كل دول العالم وتحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية أو طوعا عروضها وخبراتها المجانية المادية والمعنوية لدعمها والمساهمة في وضع أسس صحيحة لقيامها لم نتمكن من الاستفادة منها واستثمارها بالشكل الذي يحقق طموحنا كشعب تخلف عن مواكبة التقدم الحضاري العالمي كثيرا بسبب ظرف الحصار الظالم الذي فرض علينا لأكثر من ثلاثة عشر عام لأسباب كثيرة فبعد أن سادت القرارات الارتجالية لقيادة الدولة السياسية التنفيذية والتشريعية وغياب دور القضاء في الوقوف عند مخالفات الدستور الجديد الذي أفرزته ظروف المرحلة والتجاوزات المتكررة على بعض بنوده وغياب التخطيط المسبق للإنفاق بدأ اقتصاد الدولة يقترب من الانهيار أو ما نسميه كمصطلح نتداوله بكثرة هذه الأيام بالأزمة الاقتصادية خصوصا إن الدولة العراقية أصبحت في مواجهة حقيقية مع اعتداءات مسلحة ومنظمة داخلية وخارجية قادها أقذر المتأسلمون من عصابات داعش الإرهابية وقبلها تشكيلات القاعدة وذهبت الدولة بالاتجاه إلى الموازنة الحربية وما تشكله هذه الحالة من إنهاك حاد وهدر حقيقي لموارد العراق مع وجود أعداد كبيرة من الموظفين وترهل كبير في أجهزتها الإدارية وتنامي ظاهرة البطالة المقنعة واستمرار وارتفاع مستوى الحاجة إلى الإنفاق الحكومي في أبواب مالية ثانوية والاعتماد شبه المطلق على العائدات النفطية التي شهدت انخفاض حاد في أسعار النفط بدأ العجز في ميزان المدفوعات يتضاعف وبدأت الحكومة تشعر بالحرج أمام شعبها وأصبحت مضطرة خصوصا في موازنتها للعام الحالي 2016 إلى توقف مشاريعها الإنمائية وبالتالي شلل تام لحركة السوق المحلية بمعنى ارتفاع كبير وركود في الأيدي العاملة وبالتالي وانخفاض معدل دخل الفرد العراقي الفعلي مقابل نمو متزايد وكبير في أعداد الشباب من خريجي الجامعات نزولا إلى الأيدي العاملة غير الماهرة يقابل ذلك في الجانب الآخر إن الدولة أصبحت مرغمة على بيع العملات الأجنبية الواردة من عائدات النفط المنخفضة أصلا بسبب انخفاض سعره في السوق العالمية كما أسلفنا وبطبيعة الحال إن من يشتريها ليس المواطن البسيط لأنه لا يملك ثمنها بل شركات الصيرفة التي تنامت نتيجة عمليات غسيل الأموال للزيادة الفاحشة وغير المشروعة في أرباحها ومن يقف خلفها من المنتفعين والفاسدين المتنفذين في الدولة بتجاهل تام لتأثيرات عمليات المضاربة المالية على السوق والعملة المحلية ولجوء الدولة إلى الاقتراض من البنوك الدولية  وما ترتب على ذلك من شروط مفروضة ساهمت في ما وصلنا إليه من معاناتنا.
إن الدولة العراقية تعتبر من الدول الشابة أي من الدول التي تمتلك أعداد كبيرة في سن الشباب العامل من كلا الجنسين التي تتراوح أعمارهم بين 18 – 50 سنة كما أنها ملزمة لدفع رواتب أعداد كبيرة من المتقاعدين رغم إن صندوق رواتبهم خاص ويستقطع من أجورهم أثناء خدمتهم الفعلية ولا علاقة له بموازنة الدولة إلا أنهم أصبحوا عبأ عليها بعد أن امتدت يد الدولة للعجز في ميزانيتها إلى صندوقهم الذي ينبغي له أن يستغل في الاستثمار لتنميته ولكن سوء التخطيط وتدني الخبرات جعلت منه ثقلا إضافيا تعاني منه الدولة أما الشريحة الأولى فإنها مطلوبة لأهميتها لكل دول العالم التي تحسن استغلالها واستثمارها إلا في العراق حيث يشكلون مستهلكا بحاجة إلى من يعيلهم دون مقابل لانعدام فرص العمل وبدلا من أن تزج في حركة العمل لتغطية نفقاتها وتنمية واردات الدولة أصبحوا يفكرون في الهجرة إلى خارج البلاد أو يقعون نتيجة لعوزهم ضحية لمن يغرر بهم ويجندهم للإرهاب وهذا من اكبر مصادر الخطر على مجتمعنا مع غياب ثقافة المواطنة الصالحة وتنامي التفكير الأناني والفردي.
إن لكل دولة واردات محلية تجبيها أما من الضرائب المتعددة إبتداءا من الكمارك وليس إنتهاءا عند ضريبة الدخل لدعم اقتصادها بالإضافة إلى استثماراتها لرؤوس الأموال الفائضة من موازنات السنوات السابقة والمدورة في مجال الصناعة وهذا غير موجود في الدولة العراقية الحديثة لوجود من عمل على تدمير ما كان موجود من صناعات ومعامل بسيطة على مستوى القطاع الخاص أو القطاع العام على حد سواء وحتى عائدات الكهرباء صارت مشكلة جبايتها تعاني من صعوبة بالغة لعزوف المواطن عن تسديدها إضافة إلى المنافسة غير المبررة والتي ينفرد فيها العراق للبضائع الأجنبية المستوردة يتزامن كل هذا مع الإهمال التام للقطاع الزراعي الذي أصبح يعاني من مشاكل كبيرة جدا فاقت الإمكانيات الفردية الخاصة للفلاح الذي هجرها وذهب إلى المدينة يبحث عن فرصة عمل وهذا موضوع قائم بحد ذاته يحتاج إلى مناقشة مستفيضة ومعالجات عاجلة لنعود بدوره المهم في دعم الاقتصاد الوطني .
وكنتيجة لعدم وجود المسئول القدوة الذي يحرص على أن يكون النموذج الأمثل في الأغلب الأعم وانتشار أمراض جهاز الدولة الإداري كالرشوة والمحسوبية وتقصير الأجهزة الحكومية في أدائها لواجباتها وفي تقديم الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة وارتفاع حدة الانتماء للطائفة على حساب المجتمع كنتيجة حتمية للتغذيات الفكرية المقصودة خصوصا الإعلامية منها تباعدت المسافة بين المواطن والدولة أصبحت الروابط بينهما ضعيفة الأمر الذي أدى إلى ضعف المواطنة الصالحة أي ضعف ارتباط المواطن بالوطن وتخليه عن مسئوليته الطبيعية وظهور فواصل طبقية واضحة وتفكك في المجتمع العراقي كحالة جديدة لم نكن نعرفها سابقا بينما تضخمت حالة الغليان داخله كانت أهم انعكاساتها ما نشاهده اليوم في الشارع السياسي العراقي نسأل الله العزيز القدير أن يجنب شعبنا كل مكروه .

أحدث المقالات