19 ديسمبر، 2024 1:54 ص

ألسجع في ألقرآن

ألسجع في ألقرآن

مما اثار إستغرابي عند قراءة القرآن ورود بعض الأسماء الثنائية ألتي فيها سجع أو قافية موحدة كهاروت وماروت، وقد ذُكِرَ السحر والملكان هاروت وماروت في القرآن في الآية  102 من سورة البقرة : (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )).
أما الثنائي الآخر فهما يأجوج ومأجوج، وقد جاء ذكرهما في الآية – 93 من سورة الكهف : (( وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ))، وكذلك ألآية – 96 من سورة ألأنبياء : (( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون )).
إضافة إلى ذلك هنالك الملكان منكر ونكير ألمسؤولان عن إستجواب الموتى في القبر، فعندما كنت أحضر العديد من مراسيم الدفن لأقاربي وافراد عائلتي واصدقائي خلال سنين حياتي وأثناء مراسيم الدفن كنت الاحظ انّ الشيخ او رجل الدين يقرأ ويتمتم ببعض العبارات ويلقِّن المتوفي بعد سد القبر وانهيال التراب عليه بعبارات واسئلة واجاباتها ويبدأ تلقينه قائلا:
أعلم أنّه بعد قليل سيأتيك ملكان وسيسألونك بلسان عربي فصيح من ربّك؟ فقل الله سبحانه وتعالى. وما دينك؟ فقل الإسلام. ومن نبيّك؟ فقل محمّد. وما كتابك؟ فقل القرآن. ثمّ يتم الشيخ المراسيم بقراءة سورة ياسين.
حسب المعتقدات الاسلامية انّ الميّت اذا كان كافرا او مسلما ولم يطبّق تعاليم القرآن فسيعذّبه الله في القبر بواسطة الملكين منكر ونكير، عن ابن عباس في خبر الاسراء : ان النبي صلى الله عليه وسلم :
” قال يا جبريل وما ذاك ؟ قال : منكر ونكير يأتيان كل إنسان من البشر حين يوضع في قبره وحيدا، فقلت: يا جبريل، صفهما لي، قال: نعم من غير ان اذكر لك طولهما وعرضهما, ذكر ذلك منهما افظع من ذلك, غير ان اصواتهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف وانيابهما كالصياصي، لهب النار في افواههما ومناخرهما ومسامعهما، ويكسحان الأرض باشعارهما ويحفران الأرض باظفارهما، مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه من في الأرض ماحركوه، يأتيان الإنسان اذا وضع في قبره وترك وحيدا يسلكان روحه في جسده باذن الله تعالى “….. الى آخر الحديث.
هذه الأسماء ألتي وردت في القرآن وألأحاديث المنسوبة لمحمد، ذكّرتني بأسماء شخصيات أفلام ألرسوم المتحركة ” أفلام الكارتون ” كما كنا نسميها في طفولتنا، ومن هذه الأفلام كانت افلام “هيكل وجيكل” وبطلا هذه الأفلام غرابان مشاكسان يقومان  بالإحتيال والأذية وعمل المقالب.
 هذه المقدمة تجرنا للحديث عن السجع في القرآن، فالقرآن يتميز بإستعماله الفواصل بمعنى أنّ آياته مفصلة فالفواصل هي من أهم مقومات أسلوب القرآن، إنّ الفواصل تكون إما كلمة واحدة تنتهي بها الآية، ويكون الكلام في الآية مبنيا عليها وتكون هي ممتزجة به، وإما جملة تجيء في آخر الآية فتفصلها عمّا بعدها فصلا تاما في اللفظ والمعنى، أو فصلا في اللفظ فقط، وتبقى الآية مرتبطة في المعنى بما بعدها.
مثال النوع الأول (كلمة واحدة): (( إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وأنحر * إنّ شانئك هو الأبتر ) سورة الكوثر، الآيات 1-3، وأكثر السور القصار على هذا النمط، ولا ريب أنّ هذا ضرب من السجع، وألسجع عند ألعرب في فترة الدعوة المحمدية كان من شأن الكهان.
مثال على النوع الثاني (جملة تجيء في آخر الآية) : (( أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون * ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده إن أنذروا أنّه لا إله إلا أنا فأتقون ))…سورة النحل الآياتان 1-2، فتعالى عما يشركون فاصلة وكذلك فأتقون.
وأكثر السور لا تكون فواصلها من نوع واحد بل تكون من النوعين كما ترى في سورة الفرقان : (( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنّه كان غفورا رحيما” ))… سورة الفرقان، الآيتان 5-6. فالفاصلة الأولى من النوع الأول والثانية من النوع الثاني.
ألذي يظهر من الفروق بين القوافي في الشعر والفواصل في آيات القرآن، أنّ محمداً قد أطلق الفواصل وفك منها القيود التي كان الشعراء يتقيدون بها في كلامهم المنظوم والمسجوع، فلم يراع فيها الإعراب ولا حروف الروي ولا عيوب التكرار والتضمين، فأتسع بذلك لإسلوبه مجال الكلام، فجاء أسلوب القرآن متوسطا بين النظم والنثر، أو بين النثر المرسل والنثر المسجع، وذلك أسلوب مبتكر لم تكن العرب تعرفه.
إنّ مراعاة الفواصل في أسلوب القرآن نتج منها بعض العيوب، ولتوضيح ذلك إليكم بعض الامثلة:
–         ألتقديم والتأخير كقوله : ((فلله الآخرة والاولى ))…. سورة النجم ، الآية-25، فقدم ماهو متأخر في الزمان، ولولا مراعاة الفاصلة لقدمت الأولى كما قدمت في قوله : (( له الحمد في ألأولى وألآخرة ))…سورة القصص، ألآية – 70.
–         الحذف مراعاة للفاصلة كقوله : (( فكيف كان عذابي ونذر ))… سورة القمر، الآية-18،وكذلك قوله : (( فكيف كان عقاب ))… سورة غافر ،الآية-5، وألأصل فيه ونذري، وكيف كان عقابي فحذف ياء الإضافة مراعاة للفاصلة.
–         زيادة ما هو غير لازم كقوله في سورة الأحزاب، الآية-10 : (( وأطعنا الرسولا ))، فقد زاد الألف في اواخر هذه الفاصلة مراعاة للفاصلة، ولو كانت هذه الفاصلة نكرة لكان الوقف عليها بالألف، ولكنها معرفة فالالف فيها زائدة كألف الإطلاق في الشعر.
–         إيثار أغرب اللفظتين كما في قوله (( تلك قسمة ضيزى ))… سورة النجم، الآية-53، ولم يقل : قسمة جائرة مراعاة للفاصلة، وقوله : (( كلا لينبذن في الحطمة ))… سورة الهمزة، الآية-4، ولم يقل : في جهنم أو في ألنار، وتفنن محمد في أسماء جهنم فقال :
(( ساصليه سقر ))…المدثر، الآية-26، وفي سورة المعارج، الآيتان-15-16: (( كلا إنّها لظى * لواحة للشوى ))، وفي القارعة، ألآية-9 : (( فأمه هاوية ))، وكل ذلك مراعاة للفواصل.
–         الإستغناء بالإفراد عن التثنية كقوله : (( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ))… سورة طه، الآية-117، ولم يقل : فتشقيا، والخطاب للأثنين وذلك مراعاة للفاصلة.
–         تغيير بنية الكلمة لأجل الفاصلة، وهذه أغرب الأمثلة كقوله في سورة التين، الآيات، 1-3: (( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين ))، وألأصل طور سيني بالقصر أو سيناء بالمد، فغيرت بنيته من سينا إلى سينين لأجل ألفاصلة.
وهنلك في آيات القرآن أمثلة كثيرة لمراعاة الفاصلة يستطيع ألمتمعن في دراسة ألقرآن ملاحظتها، كما أنّ من ألأمور التي وقعت في سبيل الفاصلة ظهور فواصل قلقة  في مكانها، غير مستقرة ولا مطمئنة ولو طرحتها لما أختل المعنى ولا يضطرب الفهم، واليكم مثال على الفواصل القلقة :
–         جاء في سورة محمد، ألآية-31 قوله: (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ))، أي نسمع ما يحكى ويخبر به وما يقوله الناس عنكم. ولا يخفى أنّه بعد أنْ يبلوهم فيعلم المجاهدين منهم والصابرين، لم تبقَ حاجة إلى سماع أخبارهم وما يقوله الناس عنهم، ولكن الفاصلة هي التي أتت بالجملة الأخيرة، وهي كما تراها قلقة غير متمكنة في المعنى المراد، علما أنّ الآية كلها ليست مما يليق أنْ يقوله علام الغيوب.
 
ختاما نقول أين ألبلاغة في ألقرآن، وأين إعجازه؟
ألقرآن مؤلف بشري فيه آيات حسنة ألنظم وفيه آيات ركيكة، فلا داعي لإحاطته بهالة من ألقداسة ألتي تحجب عيوبه وسلبياته، فهو ككل فكر إنساني فيه ألغث وألسمين، وله أيجابياته وسلبياته، وكفى ألمؤمنين شر القتال.
نلتقيكم في مسارات فكرية وتنويرية أخرى.
 
مصادر ألبحث.
–         ثورة ألشك …. كامل علي
–          كتاب ألشخصية ألمحمدية أو حل أللغز ألمقدس ………. ألشاعر معروف ألرصافي

أحدث المقالات

أحدث المقالات