18 نوفمبر، 2024 4:31 ص
Search
Close this search box.

صلاة الغائب

ختم الليل اولى ساعاته بالامنيات، ودارت فناجين القهوة واشرأبت اعناق الرجال، انه اليوم الثالث ، الجميع يتمنى ان تكون خاتمة للاحزان، هناك ضحكات تكسر صمت الحزن المطبق، وهناك بعض التلميحات التي تدعو الى العجلة والنهوض، بعضهم يرى ان الجلوس لايطاق، خصوصا وان كل قادم يجب ان ينهض له الآخرون، يالها من عادة ربما استثنت بعض المرضى وكبار السن، لم يكن ينوي ان يكسر الصمت والضحك الخجول ولكنه صرخ من الم بدأ يتصارع داخله، فرفع صوته بالبكاء:( الدنيه من تعاند رجل تنفيه… تضكّه ومابعد تطيه تنفيهاثاري الضحج للمغبون تنفيه… يضحك ظاهر وناره سريه)واردف : ياعلاوي يابويهفتحول بعض الضحك الخجول الى بكاء مر وصرخات تنبعث من هنا وهناك، اقترب منه سيد سامي واخذ يهدئه، خويه تره هذا فعل الدنيه انه كبلك راحولي اثنين، وحتى مادفنتهم، ولا عرفت اكبورهم، انته هسه الحمد لله شفتهم وماتوا كدام عينك، آنه ماحصلت منهم حتى اعظام مالكيت، ياخويه تره ماكو واحد ماعده مصيبه، تعال يولد ، جيب جايين، خلني اسولفلك هاي السالفه:وبدأ سيد سامي بسرد حكايته، يحكى ان صيادا اصطحب ابنه الصغير والوحيد معه الى الصيد، وكان الغروب قد القى ظلاله، نصب شباكه وامر ابنه ان يهيج الحيوانات والطيور، للحظة ما نسي انه اصطحبه معه، ورأى سوادة من بعيد فصوب ببندقيته وارداه، ذهب الى صيده واذا به ابنه، فرش عباءته، ووضعه فيها، واقبل الى امه، قال لها: لقد صدت صيدا ثمينا، اذهبي واجلبي لنا قدرا كبيرا يستوعبها، ولكن اريدك ان تأتي بالقدر من بيت لم تحدث فيه مصيبة، ذهبت المرأة وعادت خالية وهي تقول: ليس هناك من ليس لديه مصيبة، فكشف عباءته وقال لها: اذن ابكي على ابنك، شرب الشاي وبدأ ثانية بتوديع المعزين واستقبال آخرين، وكأن الحكاية قد خففت عنه نوعما، فتناهى الى سمعه عويل النساء ونادبة تصيح: (شباب يردون الهوه والموت ماخلاهم)، فصرخ صرخة عالية ظن اخوه ان روحه طلعت معها ، فخف اليه وجلس بقربه واحتضنه وراح الاثنان يبكيان.كان تجمع الناس حوله رحمة له، فهو مشغول يسلم على فلان ويودع فلانا من الناس، لكن ما ان فرغ الجادر حتى فرغ الى نفسه وراح يبكي بكاء مرا وهو يردد مع البكاء:(الج ياروح دوم النوح بثنين…. اشبعي ولاتبدلي احد بثنينالناس بواحد ويبجون بثنين….. اختبارج صار من رب البريه)ياعمر يابويه، وتذكر ابنه الطبيب الشاب الذي رحل بسرعة كبيرة، لكنها ليست بنفس السرعة التي رحل بها علي، كان يرفع رأسه بهما عاليا الطبيب والمهندس، لقد اختارهم الله، لاتعترض على ارادة الله، كل واحد يذهب بيومه، ان صبرت تؤجر، وان جزعت تكفر، فعاد الى هدوئه ثانية، جلبوا له الطعام، حاول ان يتناول منه شيئا، لكنه لم يستطع، ختم وجبة طعامه بقدح من الماء، الجميع يواسي الجميع والجميع يواسيه، وهو ما ان يستجيب للمواساة حتى تصرخ به الذكريات وتوقظه فيبكي عاليا، اخوانه يدورون من حوله خوفا عليه، حزنه كبير وشاسع، ربما استوعب احزان الطف وغيرها من المآسي، الساعة التي جلبوا بها بنات ابنه علي، كانت ساعة قاسية خيم فيها الحزن والوجوم على الجميع ليخترق صوته صمت المعزين داخل الدار: يايابه يابويه، خرجت من قرارة روحه المتألمة حد الفجيعة، هرول علي اخوه الصغير اليه، وحاول التخفيف عنه، ياخويه اشبيدنه، نكدر نفديه ومافديناه، خلي عينك بعين الله، نعم الله، لم يرد ان يفكر بالحكمة التي يريدها الله من وراء مصادرة ابنيه، ولكنه يلقي باللوم على مستشفى الشيخ زايد، لقد وصل الطوارىء ماشيا على قدميه، فما الذي حدث، لقد زرقوه اربع حقن، وتغيرت احواله واسلم الروح بسرعة، هل لدائرته دخل في ذلك، ربما كان يعاني من ضغوط كبيرة بالعمل، وهو قد عاد من ايفاد لبيروت منذ ايام قلائل، لقد تعشى في بيتنا وهو من جلب لنا العشاء، واجتمعنا معا، وغادر في الحادية عشرة الى بيته، لا ادري ما الذي حدث، انا لله وانا اليه راجعون، كان يحاول ان يخلد الى النوم، ولكن بلا فائدة، حاول وحاول وحاول، واستيقظ على صوت زوجته وهي تنادي في الطريق الخالي قبل الفجر: علاوي ….. علاوي…. علاوي، فتوضأ وقام يصلي.

أحدث المقالات