مرّ عليً على السِنة كل الكُتّاب الشرقيين والغربيين ، وكل الباحثين في علم الأنسان ، وحقوقه ، وكل الفلاسفة والباحثين ، جميعهم لديهم نزعة النقد اللاذع ، والتقريع ، والسخرية من القادة والسياسيين ، جميعهم أدلوا بدلوهم في بحر (علي) ورحابه ، فأحتاروا وذُهلوا فحطوا رحالهم ، فقد وجدوا ضالتهم في البحث عن كل الفضائل العالية الراقية ، ولم يجدوا مثلبة واحدة ، فلا يملكون الا الأنحناء ، وخلع القبعات !التاريخ يكتبه الأقوياء ، والمنتصرون ، وأصحاب السلطة والجاه والمال ، ارادوا دفن الظلم ، وتلميع صورهم ، وتلويث الثورات ، لكن علي ولد ومعه ثورة في مهده !، ثورة ليست كالثورات ، انها ثورة ابعد ما تكون عن العبثية ، انها رصينة مفعمة بالايمان ، ثورة ينتمي لها الشرف والأنصاف والعدل ، لا بالعكس ، هكذا أعطى علي للثورة وهجها وقدسيتها وهيبتها وشرعيتها ، بل وجوبها ، فكان ذلك وازعا للباحثين ، للتنقيب في الكتب ، ليكشفوا زيف ما خُلع على الثورة على مر التاريخ ، فأكتشفوا أن الأنسان حر منذ آدم ، وطالما هنالك ظلم ، كانت أزاءه ثورة ! ، بعد أن وصفها الطغاة على انها تمردا وعبثا ومروقا ! ، فعلي لم يكن ثائرا عاديا ، انما كان مدرسة للثورة ، بل كان ابا لكل الثوار الشرفاء في العالم .عليّ منارة استقطبت كل الأحرار ، والباحثين عن الحقيقة على كل وجه الأرض ، وتعجّبوا من سعة عقل هذا الرجل اللامتناهي وقد سبق عصره بقرون ، في الغرب قبل الشرق ، والا ما نُقشت أحد مبادئه على أروقة الأمم المتحدة ، وهم يطالعون عهده الى مالك الأشتر ، الذي يمثل قمة الرقي والعدل متعجبين ، وهو يوصي مالكا (ان لم يكن لك أخ في الدين ، فنظير لك في الخلق) ، كان يحلم بنظام (لا ييأس فيه الضعيف من عدله ، ولا يطمع فيه القوي بباطله) ، بربكم ، من يقول (ليس مَن طلب الحقَّ فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأصابه) ، سوى علي ، ومن قال (لا تكرهوا أولادكم على عاداتكم ، فقد وُلدوا في زمان غير زمانكم) ، من قال (الندم على الخطيئة ، استغفار) سوى علي ؟! ، من قال (اعبد الله كأنك تراه ، فأن لم تكن تراه ، فهو يراك ) ، أي أيمان وثيق أتصف به هذا الرجل وهو يقول (لو كُشف لي الغطاء ، ما أزددتُ يقينا) !، وغيرها الألاف من شذرات الحكم ، والمسائل الأعجازية ! ، فكيف لا يكون الرجل الوحيد منذ اربعة عشر قرنا ، مثارا لجدل لا ينتهي ! ، الرجل الوحيد ، الذي عُبد وكُفّر في آن واحد !.علي ، أعجوبة البشر ومفخرة عقولهم ، قال عنه (جورج جورداق) : (علي ليس ملكا لطائفة ، ولا لدين ، أنه للناس أجمعين) ، هذا الرجل الذي بلغ الكمال في الصفات لأنه بلغ منتهاها ، هذا الرجل الذي ما نطق بحكمةٍ أو وصيةٍ ، الا سبق الناسَ في الأتصاف بها ، هذا الرجل الذي كان آلة حرب مرعبة لا ترحم ، بقواه الأسطورية ، تجده أرق من قطرة الندى ، هذا الرجل الذي قضى حياته يجوب ساحات الوغى بلا هزيمة واحدة ، فما صارع أحدا قط ، الا صرعه ، تجده جاثيا على ركبتيه باكيا ، أما غلام يتيم جائع ! ،حتى قال عنه الشاعر :جُمعتْ في صفاتك الأضدادُ فلهذا عزّت لك الأندادُزاهد ، حاكم ، حليم ، شجاع ناسك ، فاتك ، فقير جوادُ
انه رجل تحتار فيه العقول الى درجة الرهبة والخوف تارة ، وكل الحب والأعجاب الشديد تارة أخرى ! ، فالعجب كل العجب ، ممن يمر على أسفار هذا الرجل المثالي الوحيد والمذهل في كل شيء ، كالملاك ، وكالأنبياء ، كيف لا يخرج عاشقا له ..