17 نوفمبر، 2024 11:30 م
Search
Close this search box.

سيف يمزق غمده 16  

سيف يمزق غمده 16  

بموازاة النجاح الذي حققته سلسلة مقالاتي “دماء لن تجف” التي ما زلت اواصل نشرها، على الصحف والمواقع الالكترونية، وسأصدرها في “موسوعة” من أجزاء عدة، عن الشهداء الأبرار.. ضحايا الطاغية المقبور صدام حسين وحزبه “البعث” المنحل، أنشر سلسلة مقالات أخرى، بعنوان “سيف يمزق غمده” عن ضحاياه، الذين إختصمهم بعد ان دالت له الدنيا، خلال السنوات التالية على إنقلاب 1968؛ إذ تنكر صدام لرفاقه، متنصلا من مواثيق الرجولة؛ فنكل بمن لا يستجيب لتطلعاته نحو التفرد.. أزاحهم عن طريقه، ومحى ذكرهم، مهووسا بشهوة السلطة، التي جرّت على العراقيين.. إعتقالاتٍ وحروباً وحصاراً وإرهاباً وجوعاً وكوارثَ ومآسيَ وتخلفاً ودماراً وتبديداً للثرواتِ والكرامةِ.
(16)
شفيق الكمالي
 
فشل صدام حسين، بنيل منصب رئيس اتحاد الطلبة العراقيين، في مصر، محرزا صوته وصوتاً واحداً فقط معه، أمام شفيق الكمالي، الذي حصد الاجماع مطلقا، فلم يعد الطاغية المقبور يحتكم للديمقراطية، في تقرير مصيره بالتطلع نحو المناصب؛ إنما يحتكم الى بيت غنته ام كلثوم، من شعر أحمد شوقي:
“وما نيل المطالب بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”
ذلك على الصعيد العام، اما على صعيد العلاقتين.. الشخصية والرفاقية بينهما، فأضمرها.. وهو لا ينسى ثاراته.. حتى المفترض منها، بلا سبب حقيقي مباشر؛ فهو لم يفتت عقدة اليتم، بل تفاقمت، حتى جعلته مهووسا بالقسوة على من يفوقه.. حد التصفية قتلا لتخلو له الساحة وحده!
شفيق عبد الجبار قدوري الكمالي، ولد العام 1929، في مدينة “البوكمال” شاعرا بالفطرة منذ نشأته صبيا يافعا، إعتنق حزب “البعث” المنحل، بجدية إرتطمت بإنتهازيي السياسة؛ فتشظى مزقا.
سافر الى مصر، وأقام فيها، هربا من ملاحقات بالسجن؛ لمعارضته النظام الملكي.. يحمل بكلوريوس الآداب، من جامعة بغداد 1955، الى جامعة القاهرة، التي نال فيها الماجسير، ماكثا فيها ولم يعد الا بعد اعلان الزعيم عبد الكريم قاسم.. الجمهورية 1958.
سياسة الشعر، دقت نواقيسها عبرة، وهو يتغزل بالوطن، محجما عن الافراد:
 “من وابن من هذا التجرأ كفه.. وازاح من فوق السماء ستارها
إني لأعجب أي كف لامست.. هذا التراب ولم يزل أظفارها”.
عين في وزارة الإرشاد، وتولّى مناصب وزارية في العراق، مترأسا إتحادات أدبية على مستوى العراق والعالم العربي، وأسس دار آفاق عربية.
خلال قطعة الزمن المستقيمة.. بين الولادة والموت، كتب الكمالي “الشعر عند البدو”دراسة 1965 و”رحيل الأمطار”1972، و”هموم مروان وحبيبته الفارعة”1974 و”تنهدات الأمير العربي ( 1975 شعر، فضلا عن سيرته التي لم تنشر ” دهام”.
في إحدى قصائد ديوان “هموم مروان…” أسقط همومه الشخصية، على تواريات البلاغة:
“مروان تخلت عنه عشيرته
ومضت..
خلف بجوج الماء”
تفنن صدام في إلحاق الخسائر به، إفتعالا في معظم الاحيان، يبوئه منصبا ويستلبه إياه؛ ولم يشفَ غيظ الخسارة “أم الصوتين / إجماع” ثأرا لن يستوفي ديته الا بدم الكمالي، الذي سفحه العام 1984، فعلا.
نجا بإعجوبة، يطول سردها، في هذا الحيز، من مجزرة قاعة الخلد، التي قتل فيها صدام الاقوياء من رفاق البدايات، كما أسلفنا لتخلو له الساحة رئيسا مطمئنا! لا يفاجئه أحد كما فاجأ هو الرئيس الاسبق أحمد حسن البكر، الذي جاء به من متسكع الى نائب رئيس جمهورية!
وجد نفسه مضطراً لكتابة قصائد مديح ركيكة لصدام، غناها المطربون تمجيدا للطاغية، متفرغا لادارة “الشؤون الثقافية – آفاق عربية” متألما لما يجري في العراق بينما لايزال يحتفظ بمنصبه عضوا احتياطا للقيادة القطرية لحزب البعث، وهو يدرك العداء.. مذعنا لتحدد دوره في الحزب والدولة.
ألقي عليه القبض، مطلع تموز ١٩٨٣، من قبل الأمن، بدءاً بنجله يعرب، بسبب شريط مسجل له مع احدهم خلال تبادل دعابات ساخرة بالسلطة ورموزها، وفي الثالثة بعد ظهر 1 آب ١٩٨٣، سيقت زوجة شفيق للإعتقال، وهو في الموصل؛ فحضر الى بغداد مسلما نفسه، في الحادية عشرة والنصف مساءً.
بعد ثلاثة أشهر أطلق سراحه، وصودرت أمواله المنقولة وغير… مصابا بسرطان الدم، الذي لم يدعه يحيا ألا فترة وجيزة؛ إذ أسر زوجته بحقنة تلقاها أثناء وجوده في الأمن، أجبروه عليها مدعين مساعدتها في خفض ضغط الدم، الذي يعانيه، مرجحا أنه مصل سام!

أحدث المقالات