14 نوفمبر، 2024 8:25 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. الأديبة التونسية أمل خليف : بعد سنوات يمكننا تقييم الثورات وفنون الشّارع

مع (كتابات) .. الأديبة التونسية أمل خليف : بعد سنوات يمكننا تقييم الثورات وفنون الشّارع

حاورتها – سماح عادل :

في ديوانها “قلب على رأس إبرة” تدهشك الشاعرة الكاتبة التونسية الشابة “أمل خليف”.. فقصائدها تمتلئ برموز محملة بفيض من حزن.. تدور القصائد ما بين الوحدة، والضياع، واللإنتماء، والتخلي، هموم الأنثى المتمردة في عالم ملئ بالحروب والدمار، والخواء، أنثى تهرب من الاغتراب والتشيؤ إلى الاندماج في النسيان.. تتميز قصائدها في هذا الديوان بلغة مميزة، ومعاني جديدة محملة لكلمات متداولة، وتناول جرئ لموضوعات مقدسة.. كما تكتب “أمل خليف” سرد قصصي تنشره على حسابها الخاص على شبكة التواصل الإجتماعي “فيس بوك” ويلاقي قبولاً لدى قراء كثيرون.. حاورتها (كتابات) للتعرف على إبداعها عن قرب..

(كتابات): متى بدأتِ الكتابة.. وماذا تحقق لكِ ؟

  • نشأت طفلة وحيدة.. كنت أتحدث بصوت عالٍ وأمسرح شخصيّات ومواقف أتخيلها كما يفعل كل الأطفال، ثم تعلّمت الكتابة وصرت أتحدث بصوت خافت، وأكتب حياتي المتخيّلة.. تساعدني الكتابة على التواصل مع ذاتي، أن أستمع إلى صوتي الداخلي وسط عاصفة من الضجيج.

(كتابات): لما يمتلئ الشعر لديك بالحزن.. والوحدة.. والاغتراب في هذا العالم ؟

  • لأنني حزينة ووحيدة.. وأحسّ بغربة حادّة وسط العالم، لا أعرف.. حقاً يخيل إلي أني ولدت حزينة، احمل حزني كشهوة، أحياناً يخيّل إلي أن الحزن صفة وليس حالة.. أعرف إنني لطالما كنت حزينة في داخلي ولطالما أحسست بالاغتراب..

(كتابات): … أو ربما لكونك متأملة للحياة أكثر من الانغماس فيها ؟

  • ربما.. ويمكن لأن ثقافتنا بشكل عام مروجة للحزن، أنا من هنا.. من هذه النقطة تماماً من الزمكان.. ولا شك أنها نقطة درامية، وأنا مشبعة برغمي بكل عصارتها الانثربولوجية والثقافية.

(كتابات): هل تشعر الأنثى بوحشية العالم بشكل مضاعف ؟

  • هذا السؤال صعب.. إذا ما اعتبرنا التعريفات الكلاسيكية عن الأنثوي والذكوري، فاعتقد أن كل ما هو أنثوي مهدد بشكل مضاعف بوحشيّة العالم.. الثقافة المعاصرة ترجّح كفّة العقلانيّة والقوّة والسيطرة بشكل متطرّف، وتقصي العاطفة والخفّة والجمال.. كل الصّفات “الأنثوية” صارت رموز ضعف وقلّة، وحتّى مسبّة أو مدعاة سخرية، واعتقد أن النساء والرجال يتعرّضون للاعتداء في جانبهم الأنثوي، ربّما المثليون الذكور من يدافعون عن أنثويّتهم بشكل مباشر، هم الأشد تعرّضا للاعتداء والوحشيّة.. لكن لأجيب عن سؤالك، أجل الانثوي مهدد، والأنثى داخلي تنتحب بشدّة.

(كتابات): هل استخدام ألفاظ جريئة في قصائدك نوع من أنواع التمرد ؟

  • لا أقصد الجرأة ولا ألتزم بها.. أحاول أن أعبر عن ذاتي بالشكل الأسهل والأقرب إلي، أنا متسرّعة جداً ومندفعة في الكتابة، لدرجة أنني لا انتقي كلمات دون أخرى ولا أبحث كثيراً، هذا عيب أعمل عليه.. أتمنى لو أهدأ وأكتب على مهل وأراجع.. لكن بذات الوقت ربّما لو هدأت لزالت حاجتي للكتابة وتوقّفت، علاقتي بالكتابة ليست سياسيّة أو أدبية لأتبنّى أسلوباً بعينه، الكتابة هي سيفي الخشبي الذي أدافع به عن طفولتي وأنوثتي وأحلامي السخيفة.

(كتابات): السخرية أحد أركان كتابتك الأساسية.. هل السخرية وسيلة دفاع، أم إعلان اليأس ؟

  • السخرية.. أعتقد أنها وسيلة للتخفيف عن الثّقل حين يصبح حاداً وجافاً ولا مهرب منه، فيصبح المخرج أن لا نعتبر كل هذا جديّاً.. بكل حال تعلمني الحياة أنها ليست جديّة كما أتخيّلها.. ثم أنا من هنا، ولا أعرف منفساً للتونسيين إلا في سخريتهم السوداء.. فأكيد أنني متأثرة، أنا يائسة طبعاً هههههه لكن أن أعلن اليأس فلا.. ألف لا، أنا مصابة باسمي، وعنيدة جداً لأعلن اليأس.

(كتابات): ألم تخافي حين تمردت على الإله في شعرك ؟

  • أنا لا أخاف الله.. لطالما كان تصوري عنه طفولياً جدّاً.. أنا خفت من الرّب الذي يصوّره المتديّنون ثم لم أصدّق أنه موجود، ثم صرت أخاف منهم، ثم استوى عندي الخوف، حين أدركت أنّهم خائفون ومرعوبون لدرجة عنيفة، لا أخاف الله ولا اعتبر أننى تمرّدت عليه.. أنا تجاوزت فكرة طفوليّة جميلة مطمئنة تحوّلت في مرحلة ما إلى فكرة معوّقة ومبعث للانغلاق والرعب والموت، فساءلتها ثمّ تخليّت عنها ببساطة.

(كتابات): كيف استقبل القراء تمردك وجرأتك ؟

  • لا أعرف كيف أجيب عن هذا.. أعرف أن طريقتي في التعبير تعبّر بشكل ما عن نساء أخريات، أعرفه من خلال تفاعلهن ورسائلهن.. وأحس بهبة المشاركة العظيمة، لكن أعتقد أن الصدق هو أساس المشاركة وليس الفكرة أو حتى الأسلوب، يحدث أن أكتب نصوصاً عاطفية أو نصوصاً بمعان انهزاميّة ويائسة، وأجد من يشاركني الحالة أكثر من نصوص غاضبة أو رافضة.. من مدّة بعث لي صديق افتراضي إجابة مفصّلة عن كل قصائد الديوان، وتفاعل مع كلّ الحالات التي عشتها مع كل نص بشكل مختلف، كان ذلك أجمل ما حدث لي، وأعطاني إحساساً عظيماً بالمقدرة على التواصل مع الآخر، كأنني في صندوق مغلق ومظلم وأحدث ضجّة، وانتبه لي أحدهم.. كنت سعيدة جدّا، أنه انتبه..

(كتابات): هل تجدين الدعم لكونك شاعرة.. أم قابلتك صعوبات ؟

  • لا أجد أية صعوبة.. لأن غايتي من الكتابة تتحقق بها وبالمشاركة، وهذا متاح من خلال منصات التواصل الاجتماعي، النشر متاح والتواصل والتفاعل حيني.. الصّعوبة ربّما في التّطوّر والتجّدد.. حتى تتواصل المتعة.. بعض الدّعم والحب الذي يتشاركه معي بعض الأصدقاء لأجل الكتابة، كثير، كثير..

(كتابات): ما تقييمك لحال الثقافة في تونس.. والعالم العربي ؟

  • لا ادّعي أي اطّلاع بالمسألة فأنا بعيدة عن تفاصيل الإنتاج الثقافي ومعطيات المجال أي السّوق، لكن عن تونس، أعرف أن بلدنا فقير ومنهوب وأن عصابات الفساد تجعل كل شئ مستحيلاً حتّى مرور شعاع ضوء من ثقب بالحائط.. إن الرداءة الإعلامية بلغت ذروتها ويتبعها انحطاط الذوق العام وتراجع الجماليّة.. وأعرف كذلك أن هناك مبدعين يستميتون لأجل إنتاج الجمال الخام، خارج كلّ هذا.. ربّما بعد سنوات يمكن أن نقيّم ما تمخّض عن الثورات وما بقي من فنون الشّارع..

(كتابات): هل تفضلين السرد عن كتابة قصيدة النثر ؟

  • أحب السرد.. أعشق السرد، الحكايات الطويلة والتفاصيل والمتاهات الدّاخلية للشخصيات، أحب فن الحكي، القص، وأعظم كاتب قرأت له سيظل “نجيب محفوظ” بلا منازع.. أبهر أمام السيطرة العظيمة للحبكة والشخصيات، النفس الطويل والمقدرة المعجزة على السّرد بشكل سلس، ثابت متواصل بإيقاع محكم…

من الأكيد أنني أفضل السّرد.. لكن اعتبر أنه غير متاح، بسبب النسق الجنوني للأحداث التي نعيشها، عدم قدرتي شخصياً على استيعاب ما يحدث، على ضبط انفعالاتي، أخذ مسافة لأجل صفاء ذهني …

لا يمكنني أن أحكي.. يمتزج ما أشعر به، بما أفكر به، بما أتساءل حوله، بما أخاف منه، بما أحب لو أقوله، يختلط كلّ شئ واختنق.. فاعبّر بشكل انفعالي، آني، مستعجل، كأنني أتخلص، لا أكتب.

ربّما في زمن آخر، حين يهدأ كل هذا، أو أهدأ، انزوي قليلاً بلا خوف أو قلق أو رغبة في البكاء أو جوع لعاطفة ومشاركة أو ضغط إحساس بالتهديد، واحكي بصوت متّزن، عن كل ما حدث.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة