كتب – سعد عبد العزيز محمد :
في ظل عالم سياسي متقلب تتغير فيه المواقف والأحلاف ولا يبقى الصديق صديقاً والعدو عدواً.. تتعالى أصوات داخل إسرائيل بإعادة النظر في العلاقات مع “روسيا” التي كانت أول دولة تعترف بإسرائيل ثم أصبحت اليوم تتخذ مواقف عدائية ضد تل أبيب من قبيل دعمها لإيران التي تعتبر العدو الأول لإسرائيل. وفي هذا الإطار طالعنا الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي “موشيه أرنس”، بمقال في صحيفة “هاأرتس”، يتطرق فيه إلى ضبابية الموقف الروسي تجاه إسرائيل، ثم يتعرض إلى العدو الحقيقي للولايات المتحدة وإسرائيل ألا وهي “إيران”.
ما هي استراتيجية بوتين ؟

في بداية مقاله أوضح الكاتب الإسرائيلي: “إن من المستقر المعلوم أن عدو عدوي صديقي، وأن صديق عدوي عدوي، فكيف يمكننا إذاً أن نحدد موقف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” من إسرائيل؟.. فإن كان بوتين عدو لتنظيم داعش الذي هو عدو لإسرائيل، إلا أنه على الجانب الآخر صديق لإيران وحزب الله وسوريا، وهؤلاء جميعاً أعداء لإسرائيل. فهل قام بوتين بالاختيار الخاطئ ؟.. أم إن هذه استراتيجيته ينفذها عن قناعة ؟”.
ويضيف أرنس أن موسكو تستقبل منذ اندلاع الثورة السورية – أي قبل أكثر من 6 سنوات – ممثلي النظام السوري والجمهورية الإيرانية وتنسق المواقف معهم، وكان آخر هذا التنسيق ما جرى في اللقاء الذي جمع وزير خارجية روسيا “سيرغي لافروف” مع كل من وزير خارجية سوريا “وليد المعلم” ووزير خارجية إيران “محمد جواد ظريف”، حيث نفوا جميعاً أن قوات بشار الأسد هي التي استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في خان شيخون، ثم ناقشوا معاً تداعيات الهجوم الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية بمدينة حمص.
بوتين يحاول إمساك العصا من المنتصف..
يعتقد الكاتب “أرنس” أنه ما من شك في أن الرئيس بوتين يعلم الحقيقة كاملة، ويعلم أن أحداً لن ينطلي عليه تبرؤ “بشار الأسد” من تلك الجريمة النكراء، ولكنه رغم كل ذلك قرر الوقوف إلى جانب الأسد، وراهن عليه منذ البداية. ومن المرجح أن بوتين لا يزال يعتقد أن الأسد سيتمكن بدعم روسي إيراني من هزيمة قوات المعارضة وعلى رأسها عدوهم الأكبر تنظيم داعش، وبذلك تستطيع روسيا الاستمرار في إبقاء بعض قواتها العسكرية على الأراضي السورية لتجد موطئ قدم لها في الشرق الأوسط. ثم على الجانب الآخر يواصل بوتين إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، في الوقت الذي يدعم فيه الجهات التي تعهدت بالقضاء عليها.. “فكيف يحدث هذا ؟”.
ويجيب الكاتب الإسرائيلي: “إن جزءاً من الإجابة على ذلك التساؤل المُلِحّ يتلخص في وجود تنظيم داعش المتطرف الذي يطمح إلى إقامة خلافة إسلامية على الأراضي العراقية والسورية، والذي نجح في التغلغل إلى ليبيا وشبه جزيرة سيناء، والذي ينفذ هجمات إرهابية في مختلف أنحاء العالم. فلا شك إذاً أنه عدو خطير، وعلى ذلك تشكل تحالف دولي واسع لمحاربته، ويزعم الأسد أنه جزء من ذلك التحالف. ولكن الحقيقة أن الأسد إرهابي ويحارب إرهابيين، فإذا بالرئيس بوتين الذي يصر على محاربة داعش، يقرر مساعدة الأسد في “محاربة الإرهاب”.
ترامب كان على خطى بوتين..
يرى “موشيه أرنس” أن الرئيس ترامب كان في بداية عهده يسير على خطى بوتين في هذا الأمر؛ حيث كان يعتقد أنه ليس هناك ما يدعو للإطاحة بالأسد عن حكم سوريا، لاسيما وأن الأخير يحارب نفس العدو المشترك الذي هو تنظيم داعش، والذي يعتبر العدو الأسوأ من بين الأعداء الكثيرين للولايات المتحدة. ولكن الكاتب الإسرائيلي يعتقد أن ترامب أخطأ حين كان يظن أنه مضطر للاصطفاف إلى جانب الأسد من أجل هزيمة داعش، فاصطفاف الولايات المتحدة إلى جانب ذلك الطاغية كان يعني أنها ستجد نفسها تحارب مع “حزب الله” الذي يحصل على تمويله وتدريبه وسلاحه من “إيران”.
ترامب ينجو من المستنقع الذي علق فيه بوتين..
يلفت “أرنس” إلى أن ترامب – بخلاف بوتين – يبدو الآن أنه استطاع أن يتخلص من هذه الورطة بعد أن أدان استخدام الأسد للسلاح الكيميائي ضد المدنيين، ثم لم يكتف بذلك بل نفذ ضربة عسكرية نوعية ضد القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرات السورية التي نفذت تلك الجريمة الشنعاء، من أجل أن يثبت أنه يعني ما يقول، وبذلك بددت الضربة الأميركية كل أوهام الأسد وحلفائه ببقائه على سدة الحكم.
إيران هي العدو الحقيقي..
يقول الكاتب الإسرائيلي: “في الوقت الذي تلاشى فيه الدخان الذي تسببت فيه صواريخ “توماهوك” الأميركية، تأكد لدى واشنطن أن العدو الحقيقي لدول الغرب في الشرق الأوسط ليس سوى إيران، التي بسطت نفوذها على لبنان، ورسخت أقدامها في سوريا، وتحاول في هذه الأثناء أن تجد لها موطئ قدم في اليمن”.
مضيفاً: “إن تنظيم داعش مهما بلغت قوته فإن هزيمته مسألة وقت لا أكثر، أما التصدي لإيران فهو تحدٍّ أكبر بكثير، لاسيما بعد القوة التي حازتها في أعقاب توقيع الاتفاق النووي مع الرئيس السابق “أوباما”. إن ذلك هو التحدي الحقيقي الذي يعترض طريق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقد اعترف بذلك وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” قبل بضع سنوات حين قال “إن أبرز ثلاثة تهديدات على المصالح الأميركية هي إيران ثم إيران ثم إيران”، وهي أيضاً التهديد الأبرز لإسرائيل.
وختاماً يقول الكاتب الإسرائيلي “أرنس”: “خلافاً للسنوات الثمانية العجاف من عهد أوباما، يمكن الآن أن نتوقع تنسيقاً كبيراً بين ترامب ونتنياهو فيما يتعلق بإيران، لأنه قد صار واضحاً أن صديقتنا الولايات المتحدة هي أيضاً عدوة لعدوتنا”.