منذ صدر الإسلام تمكن بعض الحكّام من توظيف الدين لأهداف سياسية, مستخدمين ومستغلين شخصيات تلبست بمظاهر إسلامية, ليقدموا لهم الأسانيد الدينية والمبررات الشرعية للتسلط والتغلب على الأمة وتدعيم حكمهم, وان ناقضت تلك الاسانيد والمبررات القرآن او ناقضت بعضها بعضا او كان ما هو منقول ومتواتر عنهم منافيا لأحكام العقل والمنطق والفطرة السليمة, فأصبحت تلك الروايات- وبتعاقب الأزمان- المرجع والفيصل لذوي العقول المنساقة ورائهم، من المهووسين بتعظيم الاشخاص وتقديس الرموز الدينية وعبادة البشر.
فكان الثمن باهظاَ دفعته الامة دماَ طاهرا زكياَ لعظمائها من الأئمة الاطهار ومن قادتها الافذاذ ومن عامة ابنائها, منذ ذلك التاريخ وحتى وقتنا الحاضر .
ان اعظم ما ابتلي به المسلمون, هو الفكر التكفيري, وعلى امتداد تاريخهم, متخذًا منحى عنفيا تصاعديا مع تطور صناعة الأسلحة ودخول ايادٍ خبيثة عملت على أيقاظ واثارة الفتن وخلق التوتر والعداء والتعصب والنزاعات بين ابناء الدين الواحد, حتى وصل الى ما هو عليه اليوم, في ممارسته لأبشع طرق القتل واستخدامه اقسى اساليب الاجرام وافظع وسائل التخريب والدمار, وبشكل لم يسبق له مثيل.
ولا شك ان اي مشكلة تمر بعدة مراحل حتى تصل الى العقدة التي يصعب حلها والهوة التي يعسر تجاوزها, وظاهرة التكفير مشكلة اساسها فكر ضال مر بعدة مراحل, ولا يمكن علاجها علاجا نافعا الا من خلال دراسة جذور هذا الفكر وتحديد اسباب نشوئه ثم نموه واستفحاله وفي جميع مراحله.
موقف الاسلام من تكفير المسلم:
اتفقت الامة ان اصل الاسلام واول ما يؤمر به الخلق ؛ شهادة ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلما والعدو وليا والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال , ثم ان كان ذلك من قلبه فقد دخل الايمان, وان قال بلسانه دون قلبه فهو في ظاهر الاسلام دون باطن الايمان (1).
وقد ثبت في الاحاديث الصحيحة التحذير الشديد من تكفير المسلم نذكر منها قول رسول الله (ص) : ” لا يرمي رجل رجلا بالفسوق , ولا يرميه بالكفر , الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك “(2) , وقوله ايضا ” من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ” (3) وقال ايضا ” سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ” (4) وقال “المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله”(5) وقال عليه الصلاة والسلام “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” (6) وقال: ” ألا إن اللَّه حرَّم علَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوالكُمْ ، كَحُرْمَةِ يوْمكُمْ هذا، في بلدِكُمْ هذا ، في شَهْرِكُم هذا ألاَ هل بلَّغْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قال : اللَّهُمَّ اشْهَدْ (ثَلاثاً) ويْلَكُمْ أَوْ : ويحكُمْ ، انظُرُوا: لا ترْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ” (7)
وليس معنى اننا نثبت حكم الاسلام لشخص او نحكم له بالأيمان الظاهر اننا نحكم له بدخول الجنة, بل الرجل يعطى حكم الاسلام لمعاملات الحياة الدنيا, فيرث من ابيه المسلم ويتزوج من المسلمين , ويدفن في مقابر المسلمين , وقد يكون ممن يبطن الكفر , ولكننا لم نؤمر بأن نشق عن قلوب الناس؛ وعليه فأن جمهور العلماء لا يكفر تارك الصلاة بالرغم انها عمود الدين, ولان ذلك اجماع المسلمين فأننا لا نعلم في عصر من الاعصر احدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ولا منع ميراث مورّثه مع كثرة تاركي الصلاة (8).
روى البخاري وغيره عن اسامة بن زيد انه قال : “بعثنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبّحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله. فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا بلغ ذلك النبي, فقال لي يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله , قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا ، قال: هل لا شققت على قلبه فتعلم أنه قالها يتقي بها السيف. ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة – فما زال يكررها – ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم” (9).
وفي رواية للبخاري ايضا ذكر أن المقداد بن عمرو الكندي حليف بني زهرة وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: ” يا رسول الله إني لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة وقال أسلمت لله. آقتله بعد أن قالها. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لا تقتله قلت: يا رسول الله فإنه طرح إحدى يديّ ثم قال ذلك بعد ما قطعها آقتله. قال: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال”(10).
ان الاسلام كبح كل محاولة لتكفير من تلفظ بالتوحيد وكَبَّلَ الداعين لذلك بأدلة قطعية لا مجال لأنكارها او تأويلها – ومنها الروايتين اعلاه وغيرهما الكثير- لكن رغم كل تلك الادلة القطعية, نجد ان اتباع الفكر التكفيري يُخرجون مذهب الامامية بأكمله من ملة الاسلام- ويتهمون اتباعه بالشرك ويزعمون انهم يسجدون لقبور أئمتهم- لا لشيء الا لان اتباع هذا المذهب يوالون اهل البيت عليهم السلام ويعدَّونهم افضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم, ويعتبرون قبورهم من مقدساتهم, وأعز عليهم من أنفسهم.
وحتى لو افترضنا ان أفرادا من المذهب الشيعي يسجدون لقبور أئمتهم سواء كانوا جاهلين او قاصدين الامر, فهل يعد ذلك مبررا لتكفير طائفة اسلامية بأكملها واستباحة قتلها؟
يقول الكاتب احمد فريد وهو من شيوخ السلفية في مصر في كتابه العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير: “هذه عقيدتنا لو وقع الفرد من هؤلاء الذين يصلون معنا ويصومون معنا, لو وقع في الكفر نحن لا نكفره , فهو يدخل المسجد ويكون في المسجد قبر فيأتيه ويطلب منه ما يطلب من الله تعالى .. اقول مع هذه الدلالات كلها لا نستطيع ان كفر هؤلاء المسلمين لأنه لم تقم الحجة عليهم “(11).
وقد روى عبد الله بن ابي اوفى قال :” لما قدم معاذ من الشام, سجد للنبي صلى الله عليه واله وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال اتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي ان افعل ذلك لك. فقال رسول الله (ص) لو كنت امرا احدا ان يسجد لغير الله لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها؛ والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها”(12). اذاً من سجد لغير الله – وفق مفهوم الرواية – جاهلا بأن السجود عبادة ينبغي ان لا تكون لغير الله عز وجل لا يكفر, هذا بالإضافة الى ان الرسول (ص) لم يتهم معاذ بالشرك لما قام به من سجود لغير الله, وانما انتقل الى موضوع اخر – قرنه بما قام به معاذ- وهو حق الزوج على الزوجة .
وقد وردت في القرآن الكريم لفظة السجود بمختلف اشكالها (92) مرة الا ان ما اتفق عليه علماء المسلمين ان انواع السجود هي :
اولا: سجود الصلاة على اختلافها من صلاة مفروضة – يومية و غيرها – الى الصلوات المندوبة الليلية والنهارية, او التي تؤدى في مناسبات شتى.
ثانيا: سجود السهو لمن سهى في صلاته .
ثالثا: سجود التلاوة, والذي يُعد سنة مؤكدة في الآيات التي بها سجدة.
رابعا: سجود الشكر, اذ يستحب أن يسجد المسلم سجدة الشكر إذا حدثت له نعمة أو صرف عنه أمر سيء بقدرة الله تعالى, وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به, خر ساجدا لله تعالى, وقد ذكر الله تعالى هذا النوع من السجود و وردت له شواهد كثيرة في القرآن الكريم, ومنها حادثة سجود الملائكة لادم في قوله تعالى ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ اَجْمَعُونَ))(13) وقوله تعالى ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) (14) و في حادثة سجود نبي الله يعقوب (ع) وبنيه لنبي الله يوسف (ع) في قوله تعالى ((وَرَفَعَ اَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً))(15) فالسجود الوارد في الآيات المذكورة لا يعني عبادة المخلوق, بل هو في حقيقته سجود شكر وتعظيم لله تعالى على نعمه ومواهبه العظيمة, وتنفيذا لأمره, وهذا ما اتفقت عليه جميع المذاهب الاسلامية.
وحين ابتدع العباسيون عادة تقبيل الارض بين يدي الخليفة, لم نسمع احدا من المسلمين كفَّر بني العباس لفرضهم تلك الظاهرة, رغم انتشارها في عصرهم ,حيث ذكر ابن كثير الدمشقي في كتابه البداية والنهاية نقلا عن علي بن حرب قال:” دخلت على المعتز فما رأيت خليفة أحسن وجها منه، فلما رأيته سجدت فقال: يا شيخ تسجد لغير الله ؟ فقلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذا رأى ما يفرح به أو بشر بما يسره سجد شكرا لله عز وجل”(16).
قاتل النفس البريئة وموقف الاسلام منه :
إن من أخطر المسائل التي حذر منها القران الكريم وفي عدة مواضع هي قضية قتل وإهدار أنفس الأبرياء عمدا ودون ادنى ذنب, مسلمين كانوا او غيرهم, ومن هذه الآيات (( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )) (17) والآية الاخرى ((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً)) (18) وغيرها من الآيات الاخرى.
وكل الذنوب قد يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك ، ومظالم العباد . ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد وأن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً اذ يقول : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) (19) ، وعن ابن عباس ” أنَّ رجلاً أتاه فقال : أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟ قال : جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ، قال : أُنزِلتْ في آخر ما نزل ، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه اله وسلم ، قال : أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له التوبة ، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه اله وسلم يقول : ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول : يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني ؟ “(20)
وفي حديث اخر, قرن النَّبيَّ صلى الله عليه واله وسلم بين قتل المؤمن والشرك بالله تعالى، وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران اذ يقول: “كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أنْ يغفره إلاّ الرجلُ يقتلُ المؤمنَ متعمداً أو الرجل يموتُ كافراً ” (21). وعنه ايضا (ص) قال: ” لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم ” (22) وقال: ” لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق ولو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لأكبهم الله جميعاً في النار”(23) وقال: ” من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته” (24) وقال عليه افضل الصلاة والسلام : “مَن حمل علينا السلاح فليس منا”(25).
الجذور التاريخية والفكرية لظاهرة التكفير :
ان نمو ظاهرة التكفير- التي برزت واستفحلت في فترة المد الوهابي في بلاد نجد والحجاز- هي في حقيقتها امتداد للصراع السياسي الذي شهدته حُقب معيّنة من التاريخ الإسلامي ولا يمكن فصلها عن الظروف السياسية المعقدة التي سادت صدر الإسلام؛ لا بل لسنا مبالغين اذا قلنا اننا نستطيع تلمس البوادر الأولى والشرارة الباعثة لظاهرة التكفير, على عهد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، من خلال قراءتنا لما ورد في الروايتين اللتين نقلهما البخاري عن أبي سعيد والتي يقول في الاولى منهما: “بينما النبي (ص) يقسّم، جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويحك! ومن يعدل ان لم اعدل قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، قال: دعه، فان له اصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” (26). اما الرواية الثانية فقال فيها: “بعث عليٌّ وهو باليمن بذهيبة إلى النبي صلى الله عليه اله وسلم، فقسمها بين أربعة، فقال رجل: يا رسول الله اتقي الله قال : ويلك ألست أحق أهل الأرض ان يتقي الله, ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا ,لعله أن يكون يصلي فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال صلى الله عليه واله وسلم :اني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم”(27) .
هاتان الروايتان تأشران الى قضيتين مهمتين الأولى منهما تبين لنا البواكير الاولى لنشوء ظاهرة التكفير في الاسلام, وذلك من خلال الحكم بكفر الشخصين المعترضين على قسمة الرسول – ضمناً وتلميحاً, لا تصريحاً – من قبل عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد, فطلبهما قطع رأسيي المعترضين, يعني انهما حكما عليهما بالكفر دون اذن من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم, او موافقته, علما انهما – اي المعترضان- مسلمان, والا لما حضرا القسمة, وبقرينة قول خالد : “وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه”, و رد الرسول (ص) بالقول “اني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم”.
اما القضية الثانية فهي ما جاء من الوصف الدقيق لأصحاب الفكر التكفيري على لسان الرسول (ص) بقوله : ” فان له اصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل في السطور القادمة .
اول الاعمال الارهابية في تاريخ الاسلام:
شهد عصر صدر الإسلام حادثتين مروعتين تم ارتكابهما باسم الدين, ويمكن عدهما اول الاعمال الارهابية في التاريخ الاسلامي, نظرا لاتفاقهما مع ما يصطلح عليه اليوم بـ (العمل الارهابي), وتتطابقان وتنسجمان تماما مع ما ورد في محتوى مفهوم الارهاب شكلا ومضمونا. فالإرهاب هو : “كل نشاط اجرامي موجه الى جهة معينة يستهدف انشاء حالة من الرعب”(28) او هو: “استخدام غير شرعي للقوة او العنف او التهديد باستخدامهما بقصد تحقيق اهداف سياسية”(29).
الحادثة الاولى : قتل الصحابي مالك بن نويرة:
ان حادثة مقتل الصحابي مالك بن نويرة وقومه تُعد اول جريمة تكفيرية ارتكبت باسم الاسلام, فهي كانت الاولى من نوعها في التاريخ الاسلامي لقطع الرؤوس والابادة الجماعية والتمثيل بالجثث, والحجر الاساس لتصفية الخصوم لأهداف سياسية ثم وضع المبررات والذرائع لشرعنة تلك الاعمال باسم الدين, ولو قارّنا ما فعله خالد بمالك وقومه من قتل وتمثيل بالجثث وطبخ رأس مالك والزنى بزوجته ,وبين ما يفعله اليوم مجرمي داعش وقبلهم القاعدة نجد تطابقا واضحا في الفكر والمنهج .
بدأت الحادثة بتوجيه الخليفة أبي بكر خالد بن الوليد إلى قتال مانعي الزكاة، مالك بن نويرة اليربوعي، وقومه وكانت وصية أبي بكر للجيش قبل توجهه, أن يؤذَّنوا إذا نزلوا منزلًا فإن أذن القوم كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فقاتلوهم وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فاسألوهم عن الزكاة فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم فسار إليهم خالد، ثم ضرب عسكره بأرض بني تميم، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة، وبعد أن قال لهم جنود خالد إنا المسلمون . رد عليهم قوم مالك ونحن المسلمون، قالوا: فإن كنتم المسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح ثم صلى هؤلاء وأولئك، فلما انتهت الصلاة باغتوهم وكتفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد فسارع أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر فدافعوا عن مالك وقومه وشهدوا لهم بالإسلام وأداء الصلاة، إلا أن خالداً لم يصغ إلى شهادتهما ، ولا إلى دفاع مالك عن نفسه ضد اتهامه بالكفر، حتى أن مالكا طلب من خالد أن يرسله إلى أبي بكر ليحكم بأمرهم , ولكن دون جدوى، وكان لخالد ما أراد من قتلهم ، وقد أوعز بالمهمة إلى ضرار بن الأزور(30).
وقد ذكر المؤرخون ايضا ان مالكا لما التقى بخالد قال: إني مسلم , فقال خالد : يا ضرار اضرب عنقه , وكان عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري ممن حاولا عبثا منع خالدا من قتله وثنيه عن ذلك، ولكنه كره كلامهما، ونزل على زوجته في الليلة التي قتل فيها زوجها والتي روي أنها كانت من أجمل نساء العرب، ثم أنه طبخ برأس مالك طعام تلك الليلة، وقد غضب أبو قتادة لدرجة أنه عاهد الله أن لا يشهد مع خالد حرباً بعدها (31).
وحين عاد خالد الى المدينة المنورة ودخل المسجد قام إليه عمر بن الخطاب فأنتزع الأسهم من عمامته فحطمها وقال : أرياء قتلت أمرأ مسلماً ، ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنك بالجنادل وخالد لا يكلمه ولا يظن ألا إن رأي ابي بكر فيه كرأي عمر ، حتى دخل على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عما كان منه في ذلك ، وودى مالك بن نويرة ، فخرج من عنده وعمر جالس في المسجد ، فقال خالد : هلم إلي : يا ابن أم شملة ، فلم يرد عليه وعرف أن ابا بكر قد رضي عنه, وغضب عمر غضباً شديداً لدرجة أنه قال لأبى بكر إنه زنى فأرجمه، فرفض أبو بكر، فقال عمر : إنه قتل مسلماً فأقتله، فرفض أبو بكر ثانية قائلاً :تأول فأخطأ (32) . فقال عمر يا ابا بكر كيف يُقاتل الناس وقد قال رسول الله اُمرت ان اُقاتل الناس حتى يقولوا : لا اله الا الله ؛ فمن قالها عصم مني ماله ونفسه (33). فرد ابو بكر: يا عمر ارفع لسانك عن خالد ما كنت لأغمد سيفا سله الله عليهم (34).
لم يقتنع عمرا ( باجتهاد) خالد وتأويله ، ولا بصفح أبي بكر عنه ، لذا فإنه عندما تسلم الخلافة ، كان من قراراته الأولى عزل خالد عن قيادة جيش المسلمين الذي كان حينها في غمرة انشغاله بقتال الروم في الشام , ودع عنك تلك التبريرات المصطنعة القائلة بأن عزل الخليفة لخالد كان يعود لخشيته افتتان المسلمين بانتصاراته الباهرة على حساب شعورهم بصنع الله سبحانه وتعالى لتلك الانتصارات ! (35) وحسبنا من هذه الاقوال جميعا ان نقف منها على الثابت الذي لا نزاع فيه : ان وجوب القتل لم يكن صريحا قاطعا في امر مالك بن نويرة , وان مالكا كان احق بأرساله الى الخليفة , وان خالد تزوج امرأة مالك وتعلق بها. (36)
موقف الاسلام من المرتد:
” أوجز الله تعالى في كتابه الكريم الغرض من بعثة النبي في أكثر من موضع فقال ((وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ))(37) وقال أيضا: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ))(38) وقال سبحانه: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً )) (39) ويقول أيضا (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً )) (40), فالنبي عليه الصلاة والسلام كان مبشرا ونذيرا بين يدي عذاب أليم لذلك كان التفويض الالهي للنبي عليه الصلاة والسلام في قضايا الاعتقاد لا يتضمن سلطة الإكراه بل حذر الله تعالى نبيه من أن يُكره الناس فقال (( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ))(41) بل ونبه الله تعالى نبيه انك يا محمد لا تملك السيطرة على الناس في قضايا الاعتقاد فقال (( لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)) (42) فالنبي عليه وعلى اله افضل الصلاة والسلام ما كان يملك قدرة هداية من أحب من الناس كما كان لا يملك سلطة أكراه الناس على الإيمان من عدمه فمع الآيات التي حددت سلطة النبي وتفويضه بقضية الايمان بالتبشير والإنذار فقط فهناك آيات حددت سلطته في الهداية فهي مشروطة بشرط مشيئة الله تعالى فقال (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))(43)”(44)
ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قتل او عاقب احدا أرتد عن الدين, إن إرتد ولم يعلن الحرب على الإسلام, ولو كان الرسول امر بقتل المرتد لكان قتل الاعرابي الذي ارتد عن دينه امام مرأى ومسمع الرسول (ص) والصحابة ؛ فقد ذكر البخاري ” أن أعرابياً بايع رسول الله على الإسلام ، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة ، فجاء الأعرابي إلى رسول الله فقال: أقلني من بيعتي ، فأبى ، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي ، فأبى ، فخرج الأعرابي فقال رسول الله إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها ” (45) وقد روى البخاري هذا الحديث في اكثر من باب. واما من امر الرسول (ص) بقتلهم، إنما كان لأحد سببين: إما لأنهم قتلوا نفسًا, وإما أنهم أفسدوا في الأرض، بأن حرّضوا ضد المسلمين، أو كشفوا بعض أسرارهم. وهذا ما يؤكد أن حكم الردة هو قرار سياسيا وليس حكما شرعيا.
وقد تعددت التفسيرات التي يرويها المفسرون حول الآيات التي ورد ذكر المرتدين فيها ولم تتفق كلمتهم على رأي قاطع في هذه المسألة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (46). والآية الكريمة الاخرى: ((وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (47).
فهذا ابن كثير في تفسيره لها يقول: ” ((من يرتد منكم عن دينه)) أي يرجع عن الحق إلى الباطل نزلت في الولاة من قريش” (48).
اما القرطبي فيقول: ” وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم : إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا ، فكان على ما أخبر بعد مدة ، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه واله وسلم . قال ابن إسحاق : لما قبض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، ومسجد جؤاثى ، وكانوا في ردتهم على قسمين : قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها ، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ; قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي ; فقاتل الصديق جميعهم ; وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم “(49)
اما القاضي نورالله التستري في كتابه الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة فيقول: “ان المتسمين باهل الردة قسمان : قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة وسجاح فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لا يختلف احد في انه يقبل توبتهم واسلامهم والثاني قوم اسلموا ولم يكفروا بعد اسلامهم لكن منعوا الزكاة من ان يدفعوها الى ابي بكر فعلى هذا قوتلوا ولم يختلف الحنفيون والشافعيون في ان هؤلاء ليس لهم حكم المرتد اصلا” (50).
اما محمد رضا رشيد في تفسير المنار فيقول : وغلاة الرافضة يزعمون أن الذين ارتدوا هم أبو بكر ومن شايعه من الصحابة ، وهم السواد الأعظم ، فقلبوا الموضوع ، ولكن عليا كان مع أبي بكر لا عليه ، ولم يقتله ، وروى أهل التفسير المأثور حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال في القوم الذين يحبهم الله ويحبونه : ” إنهم قوم أبي موسى الأشعري ” ، وروي عن بعضهم أنهم من أهل اليمن على الإطلاق ، والأشعريون من أهل اليمن ، وفي رواية : هم أهل سبأ ، وفي حديث آخر : ” هؤلاء قوم من أهل اليمن من كندة ،وقد رجح ابن جرير أن الآية نزلت في قوم أبي موسى الأشعري ، من أهل اليمن ، للحديث في ذلك ، وإن لم يكونوا قاتلوا المرتدين مع أبي بكر . قال : الله تعالى وعد بأن يأتي بخير من المرتدين بدلا منهم ، ولم يقل إنهم يقاتلون المرتدين (51).
و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال يوم البصرة: و الله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم، و تلا هذه الآية. و روى أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بالإسناد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يرد إلي قوم من أصحابي يوم القيامة فيحلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، أصحابي فيقال: إنك لا تدري بما أحدثوا من بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري (52).
وفي الوقت الذي اكد فيه سبحانه وتعالى ان الدماء البريئة عزيزة عنده وهو وليها, وحذر اشد التحذير من سفكها وجعل ذلك أعظم المظالم في حق العباد – كما وضحنا سابقا – نجد ان الله تعالى في آيات اخرى يكشف لنا ان من يجب مقاتلتهم وقتلهم, هم : (الكفار المعتدون وائمتهم) مبينا ذلك بكل وضوح في قوله تعالى :((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا)) ﴿53﴾ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿54﴾ ((فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ)) (55).
وعليه فان الله سبحانه وتعالى لو اراد من المسلمين قتال المرتدين وقتلهم, لكان امره واضحا صريحا في الآيات التي ذكرتهم ,وسمتهم بـ(المرتدين) في قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (56). والآية الكريمة الاخرى: ((وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(57) او كما كان امره سبحانه واضحا وصريحا بقتل الكفار المعتدين وائمتهم.
ان الداعين لقتل المرتد ليس لديهم نص قرآني يستندون إليه في دعواهم, ولا يمتلكون دليلا لأثبات ذلك سوى حديث احاد ضعيف مطعون فيه, وهو حديث (منْ بدَّل دينه فاقتلوه)(58) اخرجه البخاري – في باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم عن عكرمة- ورفضه مسلم ، لأن شبهات كانت تحوط راويه جعلت مسلم لا يدخل له حديثاً في صحيحه, فعكرمة ليس ثقة عند الجميع اذ كان يرى رأي الخوارج, وقد ضعفه واتهمه كثيرون, هذا من ناحية السند, اما من ناحية المتن فالحديث فيه من الركاكة، بحيث يُدرك وببساطة من له إلمام باللغة أنه ليس من مشكاة النبوة, كما انه يناقض القرآن الكريم و صحيح السنة, هذا بالإضافة الى ان أمرا عظيم كهذا فيه استباحة لدماء الناس لا يمكن أن ينقله إلا راوٍ واحد- فالحديث من الآحاد كما اسلفنا، لأنها جميعاً تنتهي عند ابن عباس – ولم يسمع به سواه؛ ولو صح هذا الحديث لشمل من كان على دين الحنيفية والمسيحية واليهودية ودخل الاسلام على اعتبار انهم ممن بدل دينهم!!!
الحادثة الثانية :قتل الصحابي عبد الله بن خباب :
اكد الاسلام على حفظ الضروريات الخمس وهي: ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال) ورتب حدودا صارمة في حق من يعتدي على هذه الضروريات سواء كانت هذه الضروريات لمسلمين او لمعاهدين, فالكافر المعاهد له ما للمسلم وعليه ما على المسلم قال رسول الله (ص) : ” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها توجد من مسيرة اربعين عاما” (59) وقوله (ص) : ” من أمَّن رجلا على دمه , فقتله ؛ فأنا بريء من القاتل , وان كان المقتول كافرا”(60).
كما أن الذي يموت أسفاً من المسلمين لسماعه خبر الاعتداء على المرأة المعاهدة كان عند امير المؤمنين علي عليه السلام غير ملوماً ، اذ يقول: ” وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً “(61) فإذا كان ذلك بحق غير المسلم فما بالك اذا كان المقتول مسلما مؤمنا صحابيا جليلا؟ وهو عبد الله بن خباب بن الأرت.
قصة الشهيد عبد الله بن خباب كما ذكرتها الكثير من المصادر التاريخية تتلخص في انه:” لما اقبل الخوارج من البصرة توقفوا في بستان اثناء مرورهم بالنهروان , فرأى عصابة منهم رجلا يسوق امرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فافزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم فقالوا له: افزعناك؟ قال: نعم، قالوا: لا روع عليك، حدّثنا عن أبيك حديثاً سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تنفعنا به فقال: حدّثني أبي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انه قال: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح كافراً ويمسي مؤمناً، قالوا: لهذا الحديث سألناك فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: انه اعلم بالله منكم واشد توقياً على دينه وانفذ بصيرة، فقالوا: انك تتبع الهوى وتوالي الرجال على اسمائها لا على افعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها احداً. فأخذوه وكتفوه ثم اقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم، حتى نزلوا تحت نخل مواقير، فسقطت منه رطبة، فأخذها احدهم فتركها في فيه فقال آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن، فالقاها ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة فضربه أحدهم بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض فلقى صاحب الخنزير فأرضاه، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما ارى فما علي منكم من بأس، اني مسلم ما احدثت في الاسلام حدثاً، ولقد آمنتموني قلتم: لا روع عليك فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة الا تتقون الله! فبقروا بطنها، وهي حامل متم” (62).
الخوارج طليعة الفكر التكفيري:
الخوارج أوّل الفرق في تاريخ الإسلام, وهم جماعة كانت جزء من جيش العراق، في حربه ضد معاوية بن أبي سفيان، بـ”معركة صفّين” وكانت هذه الجماعة قد انشقَّت عن جيش العراق بعد ان رفضوا التَّحكيم, الَّذي فرضوه هم انفسهم على أمير المؤمنين علي (ع) – الخليفة الشرعي والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك- نتيجة خدعة رفع المصاحف التي ابتدعها معاوية بن أبي سفيان ومستشاره عمرو بن العاص، بحجة ظّاهرها الرّجوع إلى أمر الله تعالى، والاحتكام إلى كتاب الله، اما باطنها هو إيقاف الحرب، والإفلات من ذل الهزيمة الَّتي توشك أن تقع بجيشهم, الا ان الأمام علي (ع)، بنظره الثاقب وحنكته، رفض الأمر، لأنه كان يعلم أنها مجرد خدعة، واهدافها واضحة لديه، اما الخوارج وبغبائهم، أصروا على القبول بالتحكيم، وحين قبل الامام علي (ع)بالتحكيم، وانتهت الحرب, اعتزلوا الجيش وتمردوا على الدولة وخرجوا إلى النّهروان، فحصلت بينهم وبين الأمام علي (ع)، حرب سميت بـ “حرب النهروان.
كان يقال لهم القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة, لكنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع وغير ذلك(63).واطلق عليهم ايضا المارقة لأنهم يمرقون على المسلمين ويمرقون من الدين كما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري أن رَسُول اللَّهِ (ص) قال: ” تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ” (64).
اما لفظ الخوارج فهو من أشهر الألقاب التي تطلق عليهم، وقد ورد ذكره في بعض الأحاديث ومنها ما رواه البخاري بسنده عَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ – يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ – وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ – يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ”(65). ويقرب من ذلك ما رواه البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ – الْخَوَارِجَ فَقَالَ: “هُمْ شِرَارُ أُمَّتِي يَقْتُلُهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي”(66).
ومن اسمائهم ايضا الناصبة لانهم ناصبوا الامام علي وال بيته (عليهم السلام) العداء وصرحوا ببغضهم , فالناصبي هو الذي يبغض عليا ويعتقد كفره (67).
والغالب على الخوارج التشدد في العبادة مع الجهل والسفاهة، والهوى والغرور, والخروج بالسلاح على المسلمين الذين يخالفونهم, والأحاديث النبوية التي صرحت بصفاتهم وبدعهم كثيرة, فقد ذكر البخاري انه: “بينما النبي صلى الله عليه واله وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قال عمر بن الخطاب دعني أضرب عنقه قال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية , آيتهم رجل إحدى يديه أو قال ثدييه مثل ثدي المرأة أو قال مثل البضعة تدردر, يخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه واله وسلم وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه واله وسلم “(68).
وجاء في الروايات أن الامام عليًّ عليه السلام لما وجد المخدج مقتولا، كبر وسجد شكرا لله, (69) فكان واثقًا ومطمئنًّا في قتاله للخوارج, حتى إنه لما أمر أصحابه بالتماس ذي الثدية فلم يجدوه أولا، قال: ارجعوا فواللَّه ما كذبت ولا كُذبت مرتين أو ثلاثًا، ثم وجدوه بعد ذلك(70).
ومن صفاتهم ايضا ظهور سيماء الصالحين عليهم وكثرة العبادة والصلاة والصيام واثر السجود وتشمير الثياب مع التشدد في الدين كما وصفهم النبي (ص) تحقرون صلاتكم عند صلاتهم .. وضعف الفقه في الدين وقلة الحصيلة من العلم الشرعي كما وصفهم النبي (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ..والغرور والتعالي على العلماء والتفوا على الاحداث الصغار والجهلة قليلي العلم يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين (71).
ويُذكر ان سائر فرقهم متفقون على أن العبد يصير كافرًا بالذنب؛ فهم يزعمون أن كل من أذنب ذنبًا من أمة محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ – فهو كافر، ويكون في النار خالدًا مخلدًا وزعموا أن دار مخالفيهم دار كفر. وأن مخالفيهم من هذه الأمة مشركون وكذا أطفالهم وأن جميعهم في النار . وقالوا: إن كل كبيرة كفر وصاحبها مخلد في النار ,و أباحوا قتل أطفال المخالفين ونسائهم , وأكفروا القعدة عن القتال وإن كانوا موافقين لرأيهم، وأكفروا من لم يهاجر إليهم واستحلوا خفر الأمانة التي أمر الله سبحانه بأدائها، وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم , وعندهم إن من نظر نظرة، أو كذب كذبة صغيرة وأصر عليها فهو مشرك ومن زنى وشرب الخمر وسرق غير مصر فهو مسلم غير مشرك (72).
والخوارج جوزوا على الرسول مالا يجوز كالجور وقد يضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ومتابعته وانما صدَّقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرَّعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن, فهم يرون ان الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه (73).
” ومن عجائب جهلهم وسفه أحلامهم أنهم في الوقت الذي يستحلون فيه قتل من خالفهم من المسلمين نجد عندهم تلطفا مع من يظنونه من المشركين، كما ذكر المبرد في الكامل قال: ” أقبل واصل بن عطاء في رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم، فاعتزلوا ودعوني وإياهم، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا له: شأنك فخرج إليهم، فقالوا: ما أنت وأصحابك ؟ قال: مشركون مستجيرون، ليسمعوا كلام الله، ويعرفوا حدوده، فقالوا: قد أجرناكم، قال: فعلمونا فجعلوا يعلمونه أحكامهم، فقال واصل : قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين، فإنكم إخواننا، قال: ليس ذلك لكم، قال الله تبارك وتعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ))(74) فأبلغونا مأمننا، فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قالوا: ذاك لكم، فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن”(75).
وإذا كانت فرقة الخوارج هي أول الفرق في تاريخ الإسلام فإنها ممتدة وباقية إلى آخر الزمان وإن اختلفت الأسماء والألقاب في بعض العصور والبلدان. فالاختلاف الظاهري ووجود شيء من الفروق في بعض أفراد المسائل لا يغير من الحقيقة شيئًا، ما دام المنهج واحدًا ومآل الاعتقاد متطابقًا, ولا يكاد يُقضى عليهم في زمان أو مكان إِلا وينبتون مرة أخرى ويشغلون المسلمين مع اختلاف حجم قوتهم باختلاف الزمان والمكان (76) وهذا تحقيق ما جاء عن النبي (ص)من استمرار خروجهم حيث قال: “يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول الناس، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون عن الإسلام كما يمرق السهم من الرمية”(77).
فمن ينظر بعين المتابع المنصف يجد ان استعمال الوهابية للعبارات التكفيرية من رأسهم ابن تيمية الى مؤسسهم محمد عبد الوهاب الى اتباعهم من اهل هذا العصر هي عينها التي وردت في كتب التاريخ عن الخوارج ومنهجهم , وقد جاء هذا المنهج منسجما تمام الانسجام مع ما يخطط له اعداء الاسلام من الصهاينة والامريكان من بث بذور التفرقة والمكائد بين المسلمين . فأصبحت الحركات المتطرفة مرتكزا اساس للغزو الاستعماري لبلادنا الاسلامية للانقضاض على الامة الاسلامية وشرذمة بنينها وتشريدهم وتقتيلهم بأسم الاسلام .
يقول (الحكيم الامريكي) وهو أحد زعماء (فيدرالية الاخوة العالمية IFB) المنظمة سرية التي تتحكم بالعالم من خلال سيطرتها على قيادات أمريكية ودول غربية . كشف هذا (الحكيم ) والذي لم يُكشف عن اسمه وانما اُشير اليه بالرمز (H.M) وهو على فراش الموت لصاحبه الصحفي الفرنسي (جان كلود موريس)، الذي كان يعمل مراسلاً حربياً لصحيفة (لو جورنال دو ديماش) لأسرار خطيرة تجهد قيادات أمريكا لإخفائها… يقول: “من يصدق بأن (ثقافة العمليات الانتحارية الإسلامية) نحن من أبدعها بواسطة لجاننا المختصة، ثم نجحنا من خلال عملائنا ببثها بين الإسلاميين الجهاديين لكي يمارسونها في عملياتهم الارهابية ضد اخوتهم المسلمين أنفسهم! . إننا تمكنّا من خلق شبكات بعيدة عن الشبهة رغم تبعيتها السرية لنا، لكي تغذي وتدعم مالياً وعسكرياً ومخابراتياً هذه الحركات الاسلامية العنفية، لأننا ندرك انها مهما صدقت بمعاداة الغرب وأمريكا ومهما نجحت بقتل بعضاً من جنودنا، إلاّ أن مهمتها الأولى والكبرى تبقى محصورة في تدمير العالم الاسلامي وإضعافه من الداخل، ومنحنا كل التبريرات لكي نبعد معارضينا ونمارس هيمنتنا على العالم بحجة مكافحة الارهاب ” (78).
وتعتبر مسألة التكفير ركيزة أساسية للمذهب الوهابي، الذي يُعد المرجعية الأساسية التاريخية والمحركة لانبعاث الحراك الدموي باسم الإسلام, اذ ينفرد المذهب الوهابي بكونه صاحب أضخم تراث تكفيري, “اذ يلجأ لتبرير ممارساته اللاأخلاقية واللاإنسانية واللاحضارية إلى أكذوبة مفادها: (أن الوهابية هي الطريق الأمثل والأوحد لإرساء قواعد الإسلام والحفاظ على الدين الحنيف والسير بالمسلمين على صراط الحق والعدل والإيمان والوصول بهم إلى جنات تختال فيها الحوريات على ضفاف أنهار الخمر والعسل. اذ يدّعي الوهابيون أنَّ وحشيتهم المسماة (جهاداً) هي من أجل العودة بالناس إلى عالم الصفاء والإيمان وتخليصهم من شرور الدنيا وآثامها ضماناً لخلود أرواحهم في عالم القدس والطهارة. وللأسف وجدت الوهابية شيوخاً ومنظّرين وكتّاباً باعوا أنفسهم لها بدراهم بخسة لنشر أفكارها الشيطانية وقاموا بحملةِ ترويج لأفكارها الظلامية ومعتقداتها العفنة التي لا تتلاقى ولا بشكل من الأشكال مع المنطق والأخلاق والمبادئ العظيمة والأهداف النبيلة للإسلام “(79).
دعوات التكفير التي ابتلي بها المسلمين في هذا العصر قائمة على قدم وساق، يُغَذِّيها أعداء الإسلام، ويقوم بها أناس ينتسبون إلى هذا الدين، ويظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا، وكما استطاع زعماء قريش واليهود من جمع شتاتهم وتوحيد مواقفهم وصفوفهم مؤسسين لجبهة (الاحزاب) – كما اسماها القران الكريم في احدى سوره- لمحاربة رسول الله محمد (ص) واتباعه, استطاع المستعمرون الجدد وصُناع وداعمو الإرهاب من تأسيس وانشاء مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز ابحاث تعمل على دعم ونشر الفكر التكفيري وتأييد العناصر المتطرفة وتأجيج الصراعات ، فتمكنوا من انتاج محور للشر يختزل كل مفاهيم الحقد والكراهية والتطرف في عالم اليوم ممثلا (بالقاعدة وداعش ).
ان الاسباب التي ساهمت في تفشي ظاهرة الفكر التكفيري في المجتمعات الاسلامية – وعلى امتداد تاريخها- كثيرة ومتشعبة, ولعل أول هذه الاسباب يتمثل فيمـا عاشه بعض المسلمين من انحـراف عن المنهج الإسلامي الصحيح حيث تركـوا المنهج الواضح الذي رسمه الشارع الأعظم وحـادوا عنه ,مؤسسين لفرق عقدية وفكرية شاذة ؛ نشأت هذه الفرق وتبلورت أفكارها في العصور الاسلامية المتعاقبة ، فبدأوا يضعون المبادئ الهدامة التي واكبت مسيرتهم فضلوا وأضلوا؛ اما السبب الاخر تمثل بوجود سياسة واحدة لا تقبل بالاختلاف والتنوع الفكري والسياسي- بمعناه الحديث- قوامها الاستبداد والحكم المطلق باسم الشرع ممثلا بالخليفة والدائرة الضيقة من المحيطين به او حاشيته وقواده ووزراءه ,والذين يعملون على بث الفرقة بين ابناء الدين الواحد من اجل المحافظة على مصالحهم واستمرار حكمهم وذريتهم من بعدهم , كذلك فأن اغفال الكثير من المسلمين للمبادئ الحقة للدين الاسلامي وتفرقهم إلى السلبية وإعطاء الفرصة للتدخلات الأجنبية وعدم سعيهم للوحدة الإسلامية وما تستلزمه من محبة وأخوة ,والوقوف صفاً واحداً ، وتفويت الفرصة على أعداء الإسلام, هذه الاسباب وغيرها ساعدت على تأصيل العقائد المنحرفة وسيادتها في بعض البلدان الاسلامية , فأصبحت لغة السيف هي الطريق الوحيد لحل النزاعات بين المسلمين على مر تاريخهم وحتى وقتنا الحاضر.
الهوامش:
1- ينظر :العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير, ص 89.
2- صحيح البخاري , رقم الحديث 6045.
3- المصدر نفسه , رقم الحديث 6047 .
4- المصدر نفسه , رقم الحديث 6044.
5- صحيح مسلم , رقم الحديث 2564.
6- المصدر نفسه , رقم الحديث 2564 .
7- صحيح البخاري , رقم الحديث 4403 .
8- ينظر: العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير, ص37 – 38 .
9- صحيح البخاري, رقم الحديث 6872.
10- المصدر نفسه , 6865 و رقم 4019 .
11- العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير , ص 59.
12- سنن ابن ماجة , ج3 / ص 85.
13- سورة الحجر , الآية 30 ؛ سورة ص , الآية 73.
14- سورة البقرة الآية 34.
15- سورة يوسف , الآية 100 .
16- ينظر: البداية والنهاية , ج14 / ص 506 – 507 .
17- سورة الفرقان , الآية 68 – 69 .
18- سورة الاسراء , الآية 33 ,
19- سورة النساء الآية 93.
20- مسند الحميدي , رقم 488 , ج1 / ص228 ؛ سنن النسائي ,رقم الحديث3999 , ص 421 .
21- سنن النسائي , رقم الحديث 3984 , ص420 .
22- المقاصد الحسنة , رقم الحديث 840 .
23- سنن النسائي, رقم الحديث 3988 , ص421 .
24- صحيح البخاري , رقم الحديث 391.
25- المصدر نفسه , رقم الحديث , 7070.
26- صحيح البخاري , رقم الحديث 6933 , البداية والنهاية , ج7 / ص 107 – 109 .
27- المصدر نفسه , رقم الحديث4351 .
28- قراءة في كتاب الارهاب السياسي – بحث في اصول الظاهرة وابعادها الانسانية .
29- مفهوم الارهاب دراسة في القانون الدولي والداخلي .
30- ينظر :تاريخ ابي الفدا , ج1 / 158 ؛ عبقرية خالد ,ص99 .
31- المصدر نفسه.
32- البداية والنهاية , ج9 / ص464 .
33- صحيح البخاري , رقم الحديث ,6924 .
34- عبقرية خالد ,ص100 .
35- ينظر: عبقرية عمر , ص 178 – 186 .
36- ينظر: عبقرية خالد , ص101.
37- سورة الاسراء , الآية 105 .
38- سورة الفرقان , الآية 56 .
39- سورة الاحزاب , الآية 45 .
40- سورة الفتح , الآية 8.
41- سورة يونس , الآية 99.
42- سورة الغاشية , الآية 22.
43- سورة القصص , الآية 56.
44- قتل المرتد.. الإسلام منه براء الجزء الثالث .
45- صحيح البخاري , رقم الحديث ,7322 .
46- سورة المائدة , الآية 54 .
47- سورة البقرة, الآية 217 .
48- تفسير ابن كثير , ج3/ ص136 .
49- تفسير القرطبي ,ج6 / ص160.
50- الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة , ص 242 .
51- تفسير المنار , ج6 / ص360 -361 .
52- ينظر : الميزان في تفسير القرآن, ج5 / 387 -389 .
53- سورة البقرة, الآية ١٩٠ .
54- سورة البقرة ,الآية 191.
55- سورة التوبة ,الآية 12.
56- سورة المائدة, الآية 54.
57- سورة البقرة, الآية 217.
58- صحيح البخاري , رقم الحديث :6922 .
59- المصدر نفسه, رقم الحديث 3166 .
60- المعجم الصغير للطبراني , ص 210 – 211 .
61- نهج البلاغة , الخطبة رقم 27 , ص 69.
62- ينظر : الكامل في التاريخ , ج3 , ص341 .
63- ينظر : البداية والنهاية ,ج10 /559 – 569 ؛ تاريخ الخلفاء ص 140 ؛ كتاب الشريعة , ص2079 – 2082 ؛ الخوارج اول الفرق في تاريخ الاسلام , ص27.
64- صحيح مسلم , رقم الحديث 1065 .
65- المصدر نفسه , رقم الحديث 1068 ؛ صحيح البخاري , رقم الحديث 6934 .
66- كتاب الشريعة , ص2083 .
67- ينظر: الخوارج اول الفرق في تاريخ الاسلام , ص23 .
68- صحيح البخاري , رقم الحديث 6933 .
69- ينظر: البداية والنهاية , ج10 / ص563 .
70- صحيح مسلم , رقم الحديث 1066 .
71- ينظر :الخوارج اول الفرق في تاريخ الاسلام , ص 31 – 32.
72- ينظر : الفرق بين الفرق , ص 83 – 89 .
73- الخوارج اول الفرق في تاريخ الاسلام , ص34 .
74- سورة التوبة , الآية 6 .
75- الكامل للمبرد , ج3 / 1077 – 1078 .
76- الخوارج – نشأتهم – مسماهم – القابهم – فرقهم .
77- صحيح البخاري , رقم الحديث 6930 .
78- ينظر : المنظمات السرية التي تحكم العالم ,ص112- 114.
79- ينظر :الوهابية مرآة الصهيونية .
المصادر
1- البداية والنهاية، ابن كثير: إسماعيل بن عمر أبو الفداء, تحقيق: علي شيري، دار احياء التراث, لبنان , 1988م .
2- تاريخ الخلفاء , السيوطي, جلال الدين عبد الرحمن ,( ت 911هـ ) , الطبعة الاولى ,دار ابن حزم , بيروت – لبنان , 2003م .
3- تفسير القران العظيم , ابو الفدا اسماعيل بن عمرو بن كثير , تحقيق سامي بن محمد السلامة , دار طيبة , الرياض , 2002م.
4- تفسير القرطبي , محمد بن احمد الانصاري القرطبي , دار الفكر للطباعة والنشر, بيروت , (د . ت).
5- تفسير المنار, محمد رضا رشيد , الهيئة المصرية العامة , مصر , 1990م.
6- الخوارج اول الفرق في تاريخ الاسلام , ناصر بن عبد الكريم العقل , الطبعة الاولى , دار اشبيليا للنشر , السعودية , 1998م .
7- الخوارج نشأتهم مسماهم القابهم فرقهم , سليمان بن صالح , شبكة رسالة الاسلام , موقع الكتروني , 17/3/2008.
8- سنن ابن ماجة , محمد بن يزيد بن ماجة القزويني , تحقيق: شعيب الأرناؤوط , الطبعة الاولى , دار الرسالة العالمية ,دمشق , 2009م.
9- صحيح البخاري , ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري, الطبعة الاولى , دار ابن كثير للطباعة والنشر , دمشق ,2002م.
10- صحيح مسلم , مسلم بن الحجاج النيسابوري , تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي , دار احياء التراث , بيروت ,1955م.
11- الصوارم المهرقة في نقد الصواعق المحرقة , القاضي نورالله التستري ,الطبعة الاولى , دار مشعر , طهران , 1427هـ .
12- عبقرية خالد , عباس محمود العقاد , المكتبة العصرية , بيروت , (د . ت).
13- عبقرية عمر , عباس محمود العقاد , المكتبة العصرية , بيروت , (د . ت).
14- العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير , احمد فريد ,الطبعة الرابعة , مكتبة التوعية الاسلامية , مصر , 2002م.
15- قتل المرتد.. الإسلام منه براء الجزء الثالث , خلدون طارق , العراق تايمز , موقع ألكتروني , 6 / 5 / 2014م.
16- قراءة في كتاب الارهاب السياسي – بحث في اصول الظاهرة وابعادها الانسانية , ادونيس الفكرة, صحيفة الرأي العام. Info @ rayaam.net.
17- الكامل في التاريخ, ابن الاثير , ابو الحسن عز الدين علي بن ابي الكرم الشيباني الجزري ,تحقيق محمد يوسف الدقاق , الطبعة الاولى, دار الكتب العلمية , بيروت – لبنان , 1987م .
18- كتاب الشريعة , ابي بكر محمد بن الحسين الاجري, تحقيق عبدالله بن عمر الدميجي ,الطبعة الاولى , دار الوطن , الرياض , 1997م.
19- المجتبى من السنن, سنن النسائي , ابي عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي ,بيت الافكار الدولية للنشر , الرياض ,(د . ت).
20- المختصر في تاريخ البشر ، ابي الفدا اسماعيل بن على بن محمود الأيوبى علق عليه ووضع حواشيه محمود ديوب ،الطبعة الاولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ،1997م.
21- مسند الحميدي ,عبدالله بن الزبير أبو بكر الحميدي, تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي, دار الكتب العلمية , مكتبة المتنبي – بيروت , (د . ت).
22- المعجم الصغير للطبراني , سليمان بن احمد الطبراني, دار الكتب العلمية , بيروت, (د . ت).
23- مفهوم الارهاب دراسة في القانون الدولي والداخلي , كريم مزعل شبي , كلية القانون, كربلاء.
24- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة, شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخاوي , دار الكتاب العربي , بيروت , (د . ت).
25- المنظمات السرية التي تحكم العالم , سليم مطر , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2011م.
26- الميزان في تفسير القران , محمد حسين الطباطبائي , الطبعة الثانية , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , بيروت ,1974م.
27- نهج البلاغة مجمع خطب مولانا امير المؤمنين , الشريف الرضي ابي الحسن محمد بن الحسين بن موسى , الطبعة الاولى , مركز الابحاث العقائدية ,مطبعة ستارة ايران , 1419هـ.
28- الوهابية مرآة الصهيونية , حسن يوسف , صحيفة الفداء , موقع الكتروني ,10 / 10 / 2012 م.