22 نوفمبر، 2024 1:22 م
Search
Close this search box.

نفوذ الدول وصراع استعمال اللغات

نفوذ الدول وصراع استعمال اللغات

اذا المرء لم يفهم نصا بلغته يفهمه جيدا وهو مترجم بلغة اجنبية. هذا هو المتعارف عليه بين الذين يستعملون اكثر من لغة في اعمالهم. ولذا يتوجب على المرء تعلم مهارات التواصل في العمل بلغات مختلفة كما عليه التوفيق بين سرعة تفكيره وسرعة الكلام. حيث في كثير من الاحيان يجد المرء الفكرة ولكن يتعسر عليه الاختيار المناسب للمفردات والتراكيب لتداخل وتفاعل اللغات وهذا ما يدور حوله التقرير الاتي:
تتزايد اعداد الاشخاص في العالم الذين يستخدمون اللغة الانجليزية في اعمالهم . نرى ذلك حتى الشركات المتعددة الجنسيات في سويسرا او اليابان التي جعلت من اللغة الانجليزية لغة التداول. وحتى الاتحاد الاوربي والامم المتحدة يدار الجزء الاعظم من عملهما باللغة الانجليزية .واينما ذهبت تجد اللغة الانجليزية هي المسيطرة في داخل المكاتب وكل لغة من لغات العالم الاخرى اخرى عليها التعايش معها
السؤال هو : هل هذا في صالح الشخص الذي يتحدث الانجليزية؟ ان العمل بلغة اجنبية عمل شاق. و من الاسهل لكل شخص ان يناقش او يبدي مقترحا او موقفا عندما لا يحاول الاستناد على مفردات نادرة الاستعمال(بالعربي مثلا) او لا يبذل جهدا كي تكون جمله جملا صحيحة. بإمكان المتحدث بالإنجليزية ان يتصدى ويحطم الراي المضاد من خلال الاستخدام السلس للغة ويسيطر على الوضع مانعا أي شخص من نطق كلمة واحدة وبإمكانه ان يخفف من وطأة جدية الموقف بنكة خفيفة. كل الاشياء السابقة الذكر يصعب كثيرا فعلها بلغة اجنبية. يجد الناطقون بغير الانجليزية ليس ايديهم فقط مربوطة الى الوراء ولكن اجزاء من عقولهم ربما. وعلى هذا الاساس يقول مايكل سكابنر وفي عمود كتبه في الفاينانشال تايمز على متحدثي اللغة الانجليزية تعلم مهارات الحديث مع غير الناطقين بها بنجاح .
ولكن كما اشار سكابنر هناك ايضا فوائد لغير مستعملي الإنجليزية. هذه الفوائد قد تكون قليلة ولكن ليست تافهة ابدا. وهي ان غير الناطقين ربما ليس بإمكانهم اظهار ذكائهم بسهولة .وربما يكون ذلك من الفوائد. اذ يحصلون على تقييم عال لمهارتهم من قبل الاخرين وهذا هو حسن حظ الذين يتكلمون بطلاقة في كافة انحاء العالم. ولكن غالبا ما يكون الامر بالعكس ربما يكون من الصدق ان يراك الاخرون اقل بلادة مما انت عليه حقا وهم يتفاجؤون بقدراتك عند بدء التفاوض . وكما ابلغ برفسور امريكي يعمل في فرنسا كاتب هذا المقال جونسون ان كونك من ثقافة اخرى وليس فقط كونك من لغة اخرى يمكن الناس من ملاحظة المعوقات وعادات التفكير المشتركة عند مواطني تلك البيئة. تفكير هرطقي مثل هذا يمكن ان يحاط بقليل من عدم توفر الادلة الابداعية.
الاشخاص الذين يعملون بلغة اجنبية غير لغتهم يذكرون مفاخر اخرى. اذ يقول موظف روسي يشتغل في مجلة الايكونمست . ان طلب الايضاح يعطيك وقتا ثمينا او يمثل انحراف للانتباه وهذا شيء مفيد .حيث يمكن التحدث ببطء غير الناطقين من اختيار الكلمة الصحيحة وهذا شيء لا يعمله معظم الناس عندما يثارون او ينفعلون . ويمكن قول الكثير عن كون تفكير المتحدث اسرع من قدرته على الكلام وليس العكس صحيح
والذي يحير اكثر ربما هناك ثغرة للتغذية الراجعة تتمثل من وجود ربط بين الكلام و الفكرة. فقد وجد الباحثون المبدعون ان عملية صنع القرار باللغة الاجنبية في الواقع افضل من صنعه باللغة المحلية. فقد اعطى باحثون من جامعة شيكاغو مجموعة من الطلاب اختبارا باللغة الام وفيه فخاخ معينة . بحيث كانت الاجابة على الاسئلة تبدو بسيطة جدا لكن كانت اجابتهم خاطئة . اما اؤلئك الذين اخذوا الاسئلة باللغة الثانية كانوا قد تجنبوا الفخاخ واختاروا الاجابات الصحيحة. وهذا يبين ان التفكير غير الثابت وغير المدروس له مساوئه والشيء المدروس له محاسنه. ووجد واحد من نفس هؤلاء الباحثين انه حتى في حالة صنع القرارات الاخلاقية كمسالة :هل من المقبولية قتل شخصا ما بأيدينا لإنقاذ اعداد كبيرة من البشر يغلب المستجوبون المنافع على العواطف الفردية عندما تم اختباهم بلغة اجنبية. وفي هذا الصدد يقول مواطن امريكي يعمل في الدنمارك انه اصر على ان تكون تعليمات الرواتب في شركته باللغة المحلية لأنه اذا طلبها باللغة الانجليزية ستعذبه كثير ولكن بالدنماركية ( الاجنبية بالنسبة للأمريكي) ستكون اوضح
كل هذا يحدث بغض النظر عن اللغة الاولى . ولكن في عالمنا اليوم نجد اناس يستعملون لغة واحدة كالإنجليزية مثلا ويعملون بلغتهم نفسها مع اشخاص غير انجليز يستعملون اكثر من لغة ويعملون باللغة الانجليزية .الملفت للنظر ان الذين يستعملون اكثر من لغة في لقاءاتهم الخاصة يتحدثون باللغة المحلية فيما
يتحدثون باللغة الانجليزية عندما يتطلب الامر. ويذكر موظف هولندي يعمل في المفوضية الاوربية ان القفز من لغة الى اخرى هو تذكير دائم بكيفة ما يراه الاخرون بشكل مختلف (تذكير باختلاف الآراء). واظهرت دراسة اخرى ان الاطفال مزدوجي اللغة يجيدون تخمين هوايات الاشخاص واللغات التي يتحدثونها ويقال ان الراقصة والممثلة الامريكية الشهيرة جينجر روججرز كان عليها ان تخطو كل خطوة كان يقوم الفنان الشهير فريد استار ولكن بشكل معكوس لابسة حذاء بكعب عال ولا عجب ان جعل هذا العمل منها راقصة شهيرة ( والتعبير المجازي هو لأنها تكلمت بلغة غير اللغة السائدة).
فعلا ان الذين يعملون بلغات اجنبية حريصون على التحدث عن فوائدها ومساوئها وللأسف لن تتوفر هذه الفرصة لمستعملي اللغة الواحدة. ولنشفق على اؤلئك الذين يبذلون قصارى جهدهم لتعلم لغة ثانية. ولكن ايضا لنتذكر وندعم الذين يعملون بلغة واحدة الذين لا يعلمون ما الذي يفتقدونه في حياتهم

أحدث المقالات