أمامك فقط ، وَحْدَكْ ، يَتوقفُ الكلامْ، ولم يعد الخبرُ مغرياً ولا الرأيُ مثيرأً .. أمامك وَحْدَكْ، تكون صَلاتي قائمةً وتقوايَ تامة ، وامام دمائك انت يكونُ مجوني مبرَراً ،وجنوني سفينتي للنجاة من القلق. اليوم ، أمسحُ دم جبينك ،فقد تعبتَ من الموت ، اعرف والله انك تعبتَ من الموت، بلا كلمات ولامعاني ، ايها الاغلى ،الاعز، الابقى ، ياوهْمنا الجمعي بامتلاكك ،ويا (لاشيءنا) الذي ننتظرُه دون جدوى . انت عقدتي الاولى وجدار حيلتي ، وتاريخي الذي امّنتك اياه بطفولته وتعبه ولهاثه وبكائه عليك، فرميتَه الى الكلاب . ياعقدتي الاخيرة التي لافكاك منها ، ولااستقالة َمن الحزنِ عليك، وانت تتطلعُ الى جثثِنا، كالجريحِ يحملُ قتيلا. نسلّمّك القيامة َجيلا بعد جيل ، ونودّعك كهولا ناشفين لنستريح، لنتركك على لهيبِ خلودِك تُشوى، فينعقدَ الوداعْ ، ايّها الوطنُ الجنائزي ، شكرأً للكلامِ القديمِ بيننا . شكرأ للشحوبِ الذي بقي من عناقنا ، شكرا لانكَ خنتني ايها الوطن ، فحُقّ عليك القصاص، وشكرا للدَين الذي برقبتي لك ، لانه الوحيد الذي أعادني بلا وعي اليك كي استعيد رفاتي . نلعبُ لعبة َالتشييع ، حملتنَي الى مثواي ، ووزعتُك على افواهِ الذئاب. من أينَ اتي الناسَ بالحكايا ؟ ومن اين آتيكَ بالناس ،؟ ضاقت العبارةُ ياصديقي القديم ، ياوطني الذي تناوبتُ انا ونفسي عاما بعد عام عليه ، (وأغارُ عليكَ ، أغارُ عليكَ كانّي وحدي احببتُك ياوَطنيْ) . لا أجرؤ الآن ، في هذه اللحظة ، على تسمية منطقة باسمها ولا شهيد ولاعدو ولا صديق ولا سلاح ، لا أدين غيرَ الضحايا ، غير الوجودِ لانه احترق ، واشباح الاطفال المعطرين بالورد والحرائق،تلاحقنا ارواحهم ليلة الجحيم،تتفحص حَياءنا، بقايا الحياة على ثيابنا . تمسح اسماءنا جميعا،لننشد مختنقين متفحمين معا :
سلاما عليك على رافديك عراق القيم فأنت مزارٌ وحصنٌ ودارٌ لكل الأمم ..
مالذي اقوله الان ، بعد ان صدّقتك ، ونقلتُ سرّك معي ، وتبعتُ وصيتّك ، وآمنْتُ بِكْ ، وبكيتُ لاني كرهتك ، وبكيتُ لاني أحببتك ، وبكيتُ لاني عشتٌ معك ، وبكيت لاني عشتُ بدونك ، خدَعتني والله ، وليس لي سوى ان اردّ اليك خديعتك .. نموتُ وتحيا .. وانتَ تبتسمُ شامتا ، ذاتَ الابتسامة ، قبل آدم ، وانت تراقبُ بريد الوجود يحمل اشباحَنا الى العدم . ارسلّنا اليك آباؤنا بعد ان خذلتهم ، ونستودعك ابناءنا حيث لامفر منك ، ونتركك بلاخطايا آثمين، فانت خطيئتنا المشتركة الوحيدة . بمحبتك ارتكبنا الكبيرة ، كتبنا الوهم ، وتدرّبنا طويلا، كيف نقولُ كي لانسمع وكيف نكتبُ كي لانفهم، وكيفَ نُفهم كي نحترق ، فخذها ، خذها كلَّها ، خذ كل ما اعطيتَ ومعه ما جَنيتْ ، خذ خديعتنا: اننا خالدون ، وغرورنا: اننا رهانك ، كذبتَ كثيرا علينا ياوطني، فانتَ لم تتعرف الينا جيدا كما نعتقد ، في جِنانِ الخُلد وانت تستغيث ، وفي رعاية الله ،وانت تستسلم لجنونِ عباده .فلماذا، لماذا تركتني اليومَ بلا وداع ، مترددا، هل اعود؟ ام أنه الحريق الوطني الاخير؟ لماذا ؟ اذا عثرت على وسادة فيك لم تحترق ، تجد تحتها صورَنا الممزقةَ معا . وشهادة َ رحيلي بدونك ، واستقالتي .