من الأسئلة العظيمة التي طرحت حول الجماعات الإرهابية ، هو ذلك السؤال الذي طرحه كاتب غربي : أين كان كل هؤلاء الذين يرغبون بقتل جميع البشر ؟ فهل كان كل هؤلاء الذين بإمكانهم أن يقتلوا مئات الناس فقط لأنهم يختلفون معهم في الدين أو المذهب يعيشون بيننا في البلدان الإسلامية ، الأمر ليس هكذا فالكثير منهم كانوا مواطنين عاديين ، يقومون بإعمالهم و يعيشون مع عوائلهم بسلام ، إلا أن هنالك من الاسباب و المحركات التي جعلتهم هكذا ، هذه الاسباب هي مكمن الخطر أكثر من غيرها ؛ و هي المشاكل التي ترتبط بالنظام بنواحيه و مستوياته كافة ، و من أجل مكافحة العنف الديني و المذهبي ينبغي إجراء معالجات مفترضة لهذا النظام الكلي ، و هذا ما يمكن تسميته بالمكافحة الجوهرية ، و إلا ستكون كل الجهود المبذولة على الرغم من حجمها و كلفتها لا تحل إلا أجزاء بسيطة من المشكلة الكبيرة ، و هذا بالضبط ما يجرى في موضوع بناء الدولة العراقية ، فمنذ السنوات الاولى التي تلت التغيير في العام الفين و ثلاثة ، و الكثير من الاكاديميين و الباحثين و الكتاب يثيرون موضوع إعادة بناء شامل للدولة العراقية بعد مرور تسع عقود على تأسيسها الحديث ، عاش فيه العراقيون تجارب قاسية خاصة تلك التي هيمن فيها حزب البعث على السلطة لإكثر من ثلاث عقود ، فتجربة الجمهورية الاولى جعلت من هذا البلد الحضاري ، و هذا الشعب الذي أنجب خيرة المفكرين و العلماء و الفنانين ، من البلدان المتخلفة و الفقيرة التي تعرف بالحروب و بالصراعات الداخلية و الفساد أكثر من أي شيء آخر ، و على الرغم من الجهود التي يبذلها الكثير من الصالحين من أبناء هذا البلد في التغلب على هذا الواقع المزري ، إلا أن الاوضاع خاصة في العقود الاخيرة تخرج من أزمة إلى أخرى ، فيكفي للتدليل على ذلك : أن العراق في حالة حرب منذ أربعة عقود متواصلة … نعم قد يكون هذا المسئول أو مجموعة المسئولين هم وراء هذا الذي يعاني منه هذا الوطن ، إلا أن ذلك لا يعني إلا جزئية صغيرة في منظور الازمة جوهريا ، و من هنا سنتقدم في الايام القادمة و عبر سلسلة مقالات جديدة تحت عنوان ( الدولة الوطنية ) ، للحديث عن ما يمثل جوهر التعثر العراقي في التطور و التقدم و التغلب على أزماته المتواصلة ، و أهمية الحديث عن المؤسسات الراعية لهذا التقدم و على رأسها المؤسسات القضائية ، و من أجل ذلك أدعو القراء الكرام لإبداء الرأي و المناقشة حول ذلك .