18 ديسمبر، 2024 9:54 م

راهــــــــب بنــــــــــي هــــــــاشم رسالــــــــــة السمــاء …

راهــــــــب بنــــــــــي هــــــــاشم رسالــــــــــة السمــاء …

تعددت الرسالات السماوية على الأرض ، وتعددت أهدافها ، بتعدد الأنبياء والرسل ، فمنها من كان رسالة لقوم ، ومنها ما كان يتسم بالديمومة ، وهم الأنبياء أولوا العزم (ص) ، الذين يؤكدون في رسالاتهم على تثبيت وترسيخ الحكم الإلهي في الأرض ، وعندما نمر على الآيات المباركة نجد أن سبحانه وتعالى ركز على أداء الرسالات بقوله ” وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه انه لا اله إلا أنا فاعبدون ” ، وقد اختص الباري عزوجل بعض أنبياءه أن جعل منهم أوصياء ليكونوا حجة على الناس ، وإدامة الرسالة السماوية على الأرض ، لهذا اختص نبينا الأكرم محمد ( صلى الله عليه واله ) بان جعل من ذريته أوصياء يعملون على إدامة الرسالة المحمدية ، وترسيخها في الأرض .
بعد وفاة النبي (ص) وما جرى من أحداث مهمة غيرت مجرى التاريخ ، وأحدثت شرخاً كبيراً في الأمة الإسلامية ، خصوصاً وان الحقد الأموي كان حاضراً في محو وطمس معالم الرسالة المحمدية والتي أراد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) من تثبيتها لتكون خارطة الطريق نحو بناء المجتمع المسلم ، ولكن الأهداف الأموية الفاسدة كانت العائق في تنفيذ هذه المهمة ، لذلك سعوا وبكل الوسائل والأساليب الخبيثة الى تعطيل أي حركة تحاول ترسيخ مبادئ الرسالة المحمدية ، وتوالت المحن والمصائب على أئمة أهل البيت (ع) ، وورث سيدي شباب أهل الجنة الإمامين ( الحسن والحسين) عليهما السلام هذه المحن ، وقدموا أنفسهم من اجل رفعة الدين وأهله ، وتوالت الأحداث والابتلاءات على أئمة الهدى حتى وصلت الى صاحب الذكرى الإمام الهمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) .
الجميل والمبكي في نفس الوقت أن أئمة أهل البيت (ع) بسلسلتهم الذهبية ومنهم أمامنا الكاظم (ع) أنهم عاشوا حياة البؤس مع أئمة الجور والكفر والفسوق ، ولم يثنيهم هذا عن الصبر وتحمل الألم وفراق الأهل والأحبة عن أداء الرسالة والتكليف ، فكان ينقل الإمام من سجن الى سجن ، وكانت رسائله وخطاباته تصل الى مواليه وشيعته في كل مكان ، وكان ( عليه الصلاة والسلام ) يعمل على إدامة وتفعيل الدور الرسالي لأجداده الطاهرين عبر أحاديثه ووصاياه ذات الأهداف السامية ، والتي لم تكن تحمل حقداً أو كرهاً ، بل تعدت لتشمل عموم الإنسانية ، وكان ( عليه السلام ) يؤكد في جملة أحاديثه على بناء الذات الإنسانية حيث يؤكد في حديثه الشــــــــــريف ” أن أفضل وسيلة للتقرب الى الله بعد معرفته هي الصلاة والإحسان للوالدين ، وترك الحسد وحب الذات والتفاخر والتعالي ” .
تحمّل الإمام (عليه السلام ) من حكام بني العباس ما لم يتحمله كائن ، ونقله من سجن الى سجن ، ومن ظلم الى ظلم ، حتى وصل الحال الى سجن الشاهك ، والذي لم يتورع عن أذى الأمام بأي صورة كانت ، وكان عزاءه الوحيد هو القلوب المحبة والموالية التي كانت تدعوا له بالفرج من ظلم بني العباس وسجانيه ، ولقد عانى الإمام الكاظم(عليه ‌السلام) أقسى ألوان الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال بالناس، وأذى مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذى أقدم على قتله بشكل لم يسبق له نظير ، فعمد السندي إلى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدّمه للإمام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي (زد على ذلك) فرمقه الإمام بطرفه وقال له:(حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه) . ولمّا تناول الإمام تلك الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ يعاني آلاماً شديدة وأوجاعاً قاسية، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندي بن شاهك الخبيث فكان يسمعه في كل مرة أخشن الكلام وأغلظه ومنع عنه جميع الإسعافات ليعجل له النهاية المحتومة. وفي الأثناء استدعى السندي بعض الشخصيات والوجوه المعروفة في قاعة السجن، وكانوا ثمانين شخصاً كما حدّث بذلك بعض شيوخ العامة حيث يقول: أحضرنا السندي فلما حضرنا انبرى إلينا فقال: انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل به مكروه، ويكثرون من ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيّق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره ، وها هو ذا موسّع عليه في جميع أموره فاسألوه. يقول الراوي: ولم يكن لنا همّ سوى مشاهدة الإمام(عليه‌ السلام) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ في فضله ونسكه فانبرى إلينا وقال لنا:(أما ما ذكر من التوسعة، وما أشبه ذلك ، فهو على ما ذكر، غير أني أُخبركم أيها النفر أني قد سقيت السمّ في تسع تمرات، وأني أصفر غداً وبعد غد أموت) .
فسلام عليك يا بن رسول الله ،يوم ولدت ، ويوم استشهدت ، ويوم تبعث حياً. والمشهور أن وفاة الإمام (عليه‌ السلام) كانت سنة (١٨٣ هـ) لخمس بقين من شهر رجب وقيل : سنة (١٨٦ هـ) . وكانت وفاته في يوم الجمعة وعمره الشريف كان يوم استشهاده خمساً وخمسين سنة أو أربعاً وخمسين سنة .