25 نوفمبر، 2024 1:27 م
Search
Close this search box.

أتم الله وعد الصدر في 9 نيسان 2003

أتم الله وعد الصدر في 9 نيسان 2003

لحظة ضاقت خلالها الدنيا بما وسعت، من حول حسين العصر.. الفيلسوف محمد باقر الصدر، وأخته زينب زمانها بنت الهدى.. آمنة الصدر، في حوار غير متكافئ، مع الطاغية المقبور صدام حسين، كان فيها الشقيقان المحطمان جسديا، أقوى!
تلك اللحظة، يملك فيها الطاغية صدام، الدنيا الزائلة، ويملك الفيلسوف الصدر، بقاء الآخرة.. فكان الارجح في حوار، قائم على قوة صدام الظاهرة، نظير ضعفه الباطن، وقوة الصدر الباطنة إزاء ضعفه الواقع.. والتناظر مركب، يصب في مركب كيميائي.
ما يسميه العراقيون “تيزاب” إسمه العلمي: “حامض النتريك – hno3” يتمتع بميزة تفتيت العظم وتبخير الفلسفة العظمى، الكامنة في جمجمة عالم، تخطى الدين الى تنظيم شؤون الحياة المدنية، من منظور ملتزم، يقومه الأيمان من دون ان يقيد الدولة بتعاليم فوقية منزلة، إنما يستثمر التنزيل غيثا هاميا كالمطر؛ لسقي معطيات الواقع، مثل نبت طيب.. “أصله ثابت وفرعه في السماء”.
 
عبقرية في حوض
أجمعت روايات شهود، من منتسبي أمن النجف، ان صدام كان الاوهى في النقاش، بينما الامام.. آية الله محمد باقر الصدر “قدس سره” يتكلم بشدة، ردا على الأسئلة الاستفزازية التي يطرحها عليه الطاغية بطريقة بلهاء.. متلعثمة، بشأن: – لماذا ولاؤكم لإيران وليس للوطن؟ لماذا هاتفت الخميني تقول له أقبل فالعراق مهيء لك؟ لماذا فتيت بان الانتماء الجاد والصوري لحزب البعث كلاهما كفر والحاد؟ واذا وافقت انصبك نائبا لرئيس الجمهورية؟
لم يتخاذل الامام، ولم يغره المنصب، وهو يجيب: ولاؤنا للاسلام، كمنظومة تحتضننا وايران مع سوانا من السياسات المدنية، التي تسير بهدي الدين، وبهذا لخص له “ولاية الفقيه” التأملية، التي لن يفقهها شخص أهوج…
واصل.. قدس سره، الإجابات: أما إقبال الاسلام ممثلا بفكر الخميني، آتٍ مع شخصه او حملة فكره.. لا محالة، وحزب البعث كفر والحاد، سواء أفتيت انا بذلك ام لم أفتِ، وسواء أوقفت من ضعفي بهذا الجبروت، ام وقفنا كلانا.. بين يدي الله.. أتحمل أنا ثواب فتواي، وتتحمل انت عقاب الانتماء للبعث، اما عرضك بان اكون نائبا لمجرم منك فإدنو لتسمع جوابي.
ولما دنا بصق بوجهه، فوجه اليه “دريل – ثاقبة” يستخدمونها في التعذيب من الاطراف، غرزها في رأسه الشريف، وأمرهم بإلقاء الجثة في حوض من التيزاب، جفت فيه آخر نظريات العبقرية النابضة، نسغا يجري في عروق الكون.. متدفقا، وكانت آخر جملة قالها، وهو ينازع للتماسك، قبل سكرة الموت؛ جراء الثقب النافذ من الجبين الى خلفية الجمجمة: “صدام تذَكر هذا اليوم 9 نيسان ولا تنساه” وسلم الروح الى بارئها، مغتسلة بالتيزاب طهرا من آثام دنيا فانية، لوثت الطغاة.
 
العالم يكسر صمته
برغم التواطئ الدولي، مع صدام في تخبطاته السياسية، لكن دولا عدة ناشدته تسليمها الصدر؛ لتفيد من علمه، ضامنة له الكف عن السياسة، وعدم تكرار تجربة الخميني مع الشاه، الذي تراجع عن اعدام الامام روح الله الخميني، خلال الخمسينيات؛ فكانت نهايته عام 1979 بهذا العفو الذي ألب ايران بأشرطة الكاسيت.. فلم يستجب صدام لتلك المناشدات!
 
فلسفته وإقتصادنا
يكمن سر عظمة فكر الشهيد الصدر، بكونه لا يقيد الدولة، بما تقيد به جده الامام علي.. عليه السلام: “لولا التقوى لكنت ادهى العرب” فمحمد باقر يؤسس لدولة تتعاطى مع متطلبات الواقع السياسي ميدانيا، وفق الحاجة الموضوعية، وهذا من شنه ان يفيد من فلسافات الادارة السياسية كافة.. الديني منها، مثلما داود وسليمان وموسى ومحمد.. عليهم الصلاة والسلام اجمعين، ومثلما دالت الدنيا للشيوعيين والراسماليين معا.
إذن فلسفة الامام الصدر تنظم شؤون اقتصادنا الانساني.. مباشرة، برؤيا إلهية، ساء المتمسكون بكرسي السلطة، ووجاهتها ان تتحول الى منهج عمل تجري سياقات الدولة بموجبه.
أعدم الصدر شهيدا، في جنات النعيم، لكن فلسفته ما زالت تسير إقتصادات عظمى، تنتشلها من جحيم الارض؛ فما خاب من إتبع الحق وجاهد هواه، معتصما بالله عن الإقبالا المتهافت على مغريات الدنيا، يفرط لأجلها بجنة دائمة ونعيم مقيم.. طبت ثرى واثرا وثريا منيرة.. سيدى أيها الآية الشهيدة والفلسفة الذائبة في تيزاب الطغاة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات