17 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

دراسة نقدية للناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي..

دراسة نقدية للناقدة والتشكيلية التونسية خيرة مباركي..

بلاغة التخييل في سمفونية العشق ..”أميرة من ضوء “
قصيدة جديدة يطل علينا من خلالها الشاعر شلال عنوز بإشراقات “أميرة من ضوء”.. تعبق بشفيف الهمس ..بضفائر أمواج البحر المترنح بكركرات القبل ..ترفعه إلى معاريج الوجد ..فيترنم بالعشق ويناجي الشوق …هي قديسة من عوالم النبوءات ترفل على أوتار الخلود ..إنها بنت عشقه ..أنثى من ذاته خلقها وبمخاضاته أنشأها ..وبحروفه سواها كيانا سويا ..أنشدها لحنا من الأحلام لترتقي في خياله طيفا من السحر ..ولونها بلون الأشواق ..وهذا ندركه من خلال نسيج النص الذي أقامه على دينامية نفسية عبر عنها الخطاب ..فكل القصيدة لا تعدو أن تكون ثلاث لحظات لم تتجاوز حدود ذاته الباطنة ..ارتبطت الأولى بالنداء الذي أفاد معنى المناجاة: أيتها الممهورة بسناء الندى الراقصة كما فراشات الزيزفون بهذا النداء يتحول الخطاب إلى مناجاة ..وعمل صلاة ..وتتحول الأنثى إلى قديسة جثا في محرابها يصلي ..يرتل تسابيحه ..هو خطاب من “أنا” عابد إلى “أنتِ” المعبودة ..من الساجد في الحرم إلى ذات الربة ….من المُحِب إلى المحبوب لقد تجلت لقلبه بها خفايا الخلود ..كذا قلبه يكتبها لحنا على شرفات التوق ..إنها أنثى ارتقت في خياله لتعلن مدائن العشق ..لعلها غادة من النساء ولكنها تتحول إلى مطلق المرأة في مطلق الحسن ..أما اللحظة الثانية فقد ارتبطت بالطلب والدعوة إلى الفعل (دعينا نحلق ..نكردس ..دعينا نتوسد ..نلثم ..نمسد نبعث للعاشقين …دعينا نغني ..) وقد اشتركت هذه الأفعال في التعبير عن الرغبة لبناء عالم لا متناه ليكون الوقوف على عتبات الحلم ومعانقة المطلق .. فتغدو معراجه إلى جنان الخلود تعانق
هسيس الخزامى وعبق شفيف الهمس على أوتار عزف القلوب .باللحن الماطر بالقبل على أناغيم صوت العالم الأبدي .. سمفونية الفرح الكوني وعوالم الجمال السرمدي …لعلها عشتاره بعثها في جو من الأساطير ..في عالم من الأوثان .. هي آلهة .. الحسن سناها والحب لها شرعة ..بينها وبين البشر ما بين الرباني والإنساني ..جمال الفراديس في رموشها . وعلى شفتيها توقد شموع الميلاد ..هي الخصب والخبز وخرير الماء حين يعانق هديل اليمام ..أما اللحظة الثالثة فهي لحظة الحاضر التي يعلن فيها انهزامه أمام أفيائها… عاشق تفتنه الحبيبة ويفجعه فراقها ..يورق سناها بالتوق . بالشوق .. باضطهاد الحنين .. بهذه اللحظات نسمع إيقاعات لا تتولد من الأصوات بقدر ما تتولد من وقعها فينا ..حسيس من رنين المباني تردد أصداء المعاني ..تجعل من القصيدة نفحة من نفحات الصوفية تحلق بنا في فضاءات ساحرة تصل حد الانصهار والتماهي مع اللامتناهي ..لعلها انثيالات الشاعر الشعرية ..أو لحظة من لحظات نفسه التي رغبت في معانقة المطلق ..حتى حسبته المطلق ..بهذا نتساءل هل يمكن أن تكون هذه الأنثى مجرد صورة مذهلة من قوة الإبداع وبلاغة التخييل ..إنها قدرة شاعرنا على توليد صور حسية من أخرى روحية ..بهذا قد تكون بلاغته مبنية على الوهم ولكنها بلاغة وجودية عضوية وجسدية حيوية ..بذلك فهذه المرأة قد تكون معشوقة ولكن ليس لها أي وجود في واقع الشاعر ..لعلها المرأة التي يبتغيها فتحلق في أحلامه وينسج لها رداء العشق فيتحول هذا الأخير إلى مجرد مقاربة جمالية وهنا يتقاطع الخطاب الشعري في القصيدة مع الخطاب الصوفي ..باعتبار أن البعد الروحي مسلك آمن لبلوغ عالم ميتافيزيقي عبر القوة التخييلة ..بكل ذلك هل يمكن أن يكون هذا العشق مجرد ولادة اضطرارية في نسيج النص يفصح عن أشياء ثاوية في أعطاف الكلام ..من هذه التي غرق فيها بأبجديته ..؟ هل هي بقايا عشق عمري أو غزل نزاري تفصح عن رغبات تضرم فيه أشواق الروح وتوغل في مراقبها ..وتشده بسحر جمالها من حواسه إليها في خلد جنتها ..أم هي صورة العشق في عنفوانه يروض من خلاله نفسه في نوع من الجهاد الصوفي ..وهل الدنيا تدعوه إليها ..أم هو يدعوها ?
النص:
أيّتها الممهورة بسناء النّدى
الرّاقصة كما فراشات الزيزفون
دعينا نحلّق في فضاءات الحلم
نكردس كلّ أمانينا
في موانيء الغناء
فمازالت الأرصفة
تلمّ رقص الخطى
تعانق حنوّ هسيس الخزامى
وعبق شفيف الهمس
على أوتار عزف القلوب
دعينا نتوسّد
شطآن اجتياحات الرّبيع
نلثم دفق النّسيم
عند بوّابات احتدام الشّروق
نمسّد انثيالات أحلامنا
على ضفائر موج البحر
نبعث للعاشقين
كركرات الماء
في صباحات الانبهار
دعينا نغنّي
فما زال لحن التراتيل
يبشّر بيوم ماطر بالقُبل
خذيني خبزا …ساقية …هديل يمام
لألمّك نغماً يتهجّد
في ناي قصائدي
فقد مللت الحبوَ
في الدروب الأفعوانات
أشعلي قنديلك المعلّق
في ركن الرّوح
لتنهمر على شُرفات بوّاباتنا
زخّات عسل الدفء
وتعلن مدائن العشق
انطلاق العناق
دعيني أكتبك لحناً …قصيدة
لتلتحفيني حناناً
يورق بالتوق
لاتقولي صبّاً أنت ؟
أنا كلّ يوم يوغل بي
اضطهاد الحنين
فأفتح لك قلاع مدائني
لتتسلطنين في أفيائها
أميرة من ضوء

أحدث المقالات