سبق وان نشرت ثلاث حلقات حول رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي استجابة للنداء الذي وجهه الصديق المهندس ضياء العكيلي ( الرئيس الثالث للرابطة في ستينيات القرن الماضي ) , الا اني توقفت عن الاستمرار بالكتابة لعدم مشاركة الآخرين في هذا المشروع الجميل والمهم في تاريخ الحركة الطلابية العراقية بشكل خاص ومجمل تاريخ الحركة الوطنية عموما . لقد تحدثت في الحلقة الاولى عن تأسيس الرابطة ومؤتمراتها واعضائها وقياداتها ومشاكلها عموما , وتناولت في الحلقة الثانية الاجتماع التاريخي الذي حدث مع مدير البعثات في وزارة المعارف آنذاك الدكتور محمد المشاط في موسكو, اما الحلقة الثالثة فقد كرسٌتها للحوار مع الصديق ضياء العكيلي وذكرياته عن عمل الرابطة ونشاطها.
سنحت لي الفرصة اخيرا ان اتحدث مع الدكتور صاحب مهدي – السكرتير العام لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي في العام الدراسي 1960 – 1961 , والذي انتخبه المؤتمر الاول ( التأسيسي) للرابطة في خريف عام 1960 , وانا على ثقة تامة ان هذا الحديث سيكون مفيدا جدا لاكمال الصورة التاريخية وابعادها , التي رسمتها للرابطة في مقالاتي المشار اليها اعلاه, هذه الصورة التي لا أزال اتمنى و احلم ان يكملها الزملاء الآخرون بذكرياتهم عن وقائعها وكتاباتهم وتحليلاتهم لكل تلك الاحداث التي عشناها معا , والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحركة الطلابية والوطنية المعاصرة في مسيرة عراقنا الحبيب .
سألت الدكتور صاحب مهدي – قبل كل شئ – عن اعضاء اللجنة التنفيذية , الذين انتخبهم المؤتمر الاول للرابطة , فلم يتذكر غير محمد علي الماشطة – رئيس الرابطة ومصطفى الجواهري – نائب الرئيس , وهو طبعا الذي انتخبوه سكرتيرا عاما للرابطة آنذاك . واود ان أضيف الى اجابة الدكتور
صاحب في هذا الشأن, ان الرابطة كانت تؤكد دائما على تمثيل المرأة العراقية في قياداتها , وان السيدة ماركريت كانيكانيان كانت عضوة في تلك اللجنة على ما اتذكر .
تحدٌث د.صاحب عن الايام الاولى لوصوله الى موسكو في عام 1959 وتذكر بعض العراقيين الذين وصلوا معه مثل بشير الناشئ ( الموجود الى حد الآن في موسكو ) و أحمد السماوي وعبد القادر الجبوري وغيرهم , وكيف ساعدهم العراقيون القلائل الذين كانوا في موسكو قبل 14 تموز 1958 وهم محمد علي الماشطة ومصطفى الجواهري وفلاح الجواهري, وكيف تم بعد ذلك تشكيل لجنة (مساعدة الطلبة ) كما أطلقوا عليها ( وهي تسمية غير دقيقة ولا تعبٌر عن نشاطها ودورها ) . كانت هذه اللجنة واقعيا البداية الحقيقية للتنظيم الطلابي الذي تبلور لاحقا واصبح يحمل تسمية – ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ). توقف د . صاحب في حديثه عند الخطوات الاوليٌة و التحضيرية , التي اتخذها العراقيون الاوائل عندما بدأت اعداد الطلبة بالازدياد , وهكذا ظهرت ( اللجنة التحضيرية للرابطة ) , والتي كان محمد علي الماشطة لولبها ومحركها الاساسي بحكم كونه الطالب العراقي الاقدم , اذ انه وصل الى موسكو عام 1957 باعتباره عضوا ضمن الوفد العراقي للمشاركة في اعمال مهرجان الطلبة والشباب العالمي الذي انعقد عندها في الاتحاد السوفيتي , وبقي بعد ذلك المهرجان هناك واصبح طالبا في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو , وكان في الصف الثاني في تلك الكلية آنذاك ( اي عام 1959) عندما بدأ الطلبة بالوصول الى موسكو. وهكذا اصبح الماشطة رئيسا للجنة التحضيرية , ثم انعقد المؤتمر الاول لرابطة الطلبة العراقيين واصبح الماشطة رئيسا للرابطة نظرا لدوره الكبير في مسيرتها وتكوينها في بداياتها , وأصبح صاحب مهدي السكرتير العام للرابطة . كان صاحب مهدي شخصية بارزة بيننا , نحن الطلبة , الذين كنا بالاساس خريجي المدرسة الثانوية ليس الا, وكان بيننا طبعا بعض خريجي الكليات العراقية , الذين التحقوا بالدراسات العليا , اما
صاحب مهدي فكان خريج جامعة ولاية آيوا في الولايات المتحدة الامريكية , ولهذا فقد كان متميزا بين كل الطلبة العراقيين فعلا ( شكلا ومضمونا !) ان صح هذا التعبير . لقد توقفت طبعا عند هذه النقطة في حديثي مع صاحب مهدي , وسألته كيف وجد الدراسة في موسكو آنذاك بعد تجربته الطويلة في الدراسة بامريكا , فقال لي انه كان مندهشا من مستوى الدراسة في معهد الطاقة بروسيا ( تحول هذا المعهد الان الى جامعة الطاقة ), ومن الرعاية العلمية والتربوية القصوى التي اولاها المعهد المذكور له , وان مشرفه العلمي كان شخصية علمية معروفة و عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية . واخبرني د. صاحب ايضا – وبفخر – انه يتواصل لحد الان مع هذه الجامعة ويستلم منها المصادر الجديدة والدوريات المختلفة , رغم انه قد انهى دراسته هناك عام 1964 .
استمر الحديث مع د.صاحب حول الرابطة , وسألته لماذا لم يستمر بالعمل في الرابطة بعد المؤتمر الاول , فأخبرني بانه أراد التفرغ التام للدراسة , ولكن محمد علي الماشطة وبقية اعضاء قيادة الرابطة حاولوا ان يثنوه عن ذلك بعد نجاحه في عمله في صفوف الرابطة , ولهذا قرر الترشيح في المؤتمر الثاني لعضوية اللجنة التنفيذية , لكن دون العمل سكرتيرا عاما للرابطة , وهذا ما تم فعلا , وحل محله الزميل خالد الزبيدي , وهكذا استمر صاحب مهدي بالعمل في قيادة الرابطة , وفي نفس الوقت كان يكرٌس جل وقته للدراسة في ذلك المعهد العلمي المعروف . ويتذكر د. صاحب انه كان ممثلا للرابطة في مؤتمر عقده اتحاد الطلبة العالمي في مدينة كييف – عاصمة اوكراينا السوفيتية آنذاك , وان الرابطة اوفدته الى هناك لتمثيلها في هذا المؤتمر العالمي المهم , وانه سافر الى هناك وقام بتمثيل الرابطة على أحسن وجه , وانه كان رئيسا لاحدى لجان المؤتمر باعتباره مندوبا لاحدى اهم الروابط الطلابية الكبيرة في الاتحاد السوفيتي .
سألت د. صاحب أخيرا عن رأيه برؤساء الرابطة الذين عاصرهم وهم – محمد علي الماشطة ووجدي شوكت سري وضياء العكيلي وخليل
الجزائري , فأجاب انهم جميعا أعزاء على قلبه , ويكن لهم جميعا كل الاحترام . لم استطع بعد هذه الاجابة الدبلوماسية والراقية ان أسأله عن تفصيلات رأيه هذا, اذ اننا جميعا نعتبرهم ( اعزاء على قلوبنا ! ) , لكن – مع ذلك – توجد فروقات بينهم , وان كل واحد منهم يتميٌز بخصائص ذاتية انعكست على عملهم ونشاطهم في الرابطة , وان شخصا بموقع د.صاحب مهدي ومشاركته الواسعة بعمل الرابطة وقيادتها لابد ان يكون على اطلاع تفصيلي اكثر من الاعضاء الاعتياديين الآخرين في هذا المجال , الا ان د. صاحب بنزاكته ورقته ودبلوماسيته وسموه الروحي ارتأى ان يجيب عن سؤالي هذا حولهم بهذا الشكل , وانا احييه على موقفه النبيل هذا .