23 نوفمبر، 2024 1:31 ص
Search
Close this search box.

أربيل المدمرة والأنبار العامرة في رؤية وزير الخارجية العراقي

أربيل المدمرة والأنبار العامرة في رؤية وزير الخارجية العراقي

التعامل الدبلوماسي بين الدول يتطلب الهدوء والتعقل والتأني والفطنة في العلاقات الدولية، علاوة على تقدير ردود فعل المقابلة سواء كانت دولة كانت أو منظمة أوتحالف دولي وذلك عند الإدلاء بتصريح ما أو بيان بغض النظر عن طبيعة الحدث الذي يتناوله البيان. وهذا ما تتطلبه الظروف العادية، والعلاقات الطبيعية بصورة عامة. لكن في ظل الأزمات الدولية والظروف الإستثنائية، يتطلب الأمر مزيدا من التروي والإنتباه وتوخي الحذر في إتخاذ المواقف، وربما الإنتظار طويلا لغاية وضوح المشهد وزوال حالات الإلتباس والتضبب والتشويش منه. لذلك يلاحظ ان وزارات خارجية الدول ذات الباع الطويل في الدبلوماسية لا تدلي بمواقفها إلا بعد حين، عندما تكون الرؤيا قد تكاملت من خلال اللجان الإستشارية في الوزارة، والتشاور مع مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة او الخبراء في الشأن، خشية من الأبعاد السلبية للبيان على العلاقات مع بقية الأطراف الدولية. لذلك يُلاحظ في المشهد السياسي الدولي تأخر الدول في إعلان رأيها في الأحداث الدولية المهمة، وأحيانا لا تعبر عن رأيها مكتفية بالصمت، وهي حالة طبيعية تتمثل في الحرص على العلاقات الدولية بين الأطراف المتنازعة، مثلا في حال وجود علاقات إيجابية للدولة (د) مع دولتين هما (س) و(ص)، اللتان فرضا بينهما حرب أو أزمة ما، فالدولة (د) تحاول أن تحافظ على علاقاتها ومصالحها مع هاتين الدولتين من خلال إلتزام الحياد، وعدم البت في موقفها من الأزمة.
مما لا شك فيه إن المصالح الدولية هي التي تسير العلاقات الدولية، فإن كانت مصالح الدولة (د) الستراتيجية أقوى مع الدولة (س)، فإنها قد لا تجد حرجا من التفريط في علاقتها مع الدولة (ص)، وهناك المئات من الشواهد التي يمكن الإستدلال بها حول هذا الأمر. فالمواقف الامريكية على سبيل المثال تجاه روسيا، إيران، مصر، السعودية، العراق هي ليست نفس المواقف قبل عقدين أو أكثر، والسبب هو تأرجح شاقول المصالح يمينا ويسارا. وهذه العبارة المأثورة” لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، وإنما توجد مصالح دائمة” التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني (ونستون تشرشل) في القرن الماضي صارت قاعدة عامة في التعامل الدبلوماسي. ويمكن الجزم بأن العلاقات الدولية شهدت إنقلابا خطيرا بعد تفرد الولايات المتحدة كقطب أوحد في العالم وتقليم أظافر الدب الروسي، وخنوع الدول الأوربية للولايات المتحدة بشكل مذل ومهين. وهذا ما يقال عن الأمم المتحدة التي صارت مكبر صوت لمواقف القطب الأوحد، بعد أن أصيب أمينها العام بداء القلق المزمن. علاوة على إنحسار بقية المنظمات الدولية والعربية التي صارت مجرد أسماء لا قيمة لها، مثل عدم الإنحياز والجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، وهذا ما يقال عن بقية المنظمات الدولية في امريكا اللاتينية وافريقيا.
إن النجاحات والإخفاقات في العلاقات الدولية مصدرها الرئيس هو وزارة الخارجية، لأنها الواجهة الأمامية لسياسة الدولة، ووزارة الخارجية لا تكتفِ عادة بالنظرة الآنية للأحداث الدولية، وإنما تحتاح الى ناظور لترى الأبعد أو ما يسمى ما وراء الحدث. فبعد أن ترسم الدولة الخطوط العامة لسياستها الخارجية تقوم الوزارة بتهيئة مستلزمات ووسائل تحقيق هذه السياسة، وعدم الإنحراف عن بوصلة مصالح الدولة الستراتيجية. لذلك غالبا ما تكون نسبة الإخفاقات قليلة في الدولة المتقدمة، وعالية في الدول المتخلفة.
الدول العربية عامة والعراق وسوريا ولبنان بشكل خاص من أبرز الدول على مستوى الفوضى الدبلوماسية، فوزراء خارجية هذه الدول لا يعبرون عن سياسة الحكومة ولا عن مصالح الدولة ولا مصالح شعوبهم، وهم ينفردون في إتخاذ مواقف صادرة من أطراف خارجية، مع إن هذا التصرف يدخل في مجال التخابر مع دول أجنبية، بمعنى الخياية العظمى، وفقا لدساتيرها.
ولأن مكانة العراق حاليا الدولة الأكثر فوضى في الدبلوماسية على الساحة الدولية، علاوة على بقية الصفات المعروفة للجميع، ولأن وزير خارجيتها لا يختلف تفكيره عن تفكير جحا، جهلا تارة، وحماقة تارة، وتبعية تارة، وجنونا تارة. لذا سينصب حديثنا على جحا الدبلوماسي وحماره، مع إحترامنا الكبير لموظفي الوزارة من الكوادر الوطنية الشريفة والنزيهة والمخلصة الذين نرأف على حالهم في ظل الفوضى العارمة التي تعم الوزارة حاليا، وعجزهم عن الإرتقاء بها خشية من لفظهم إلى خارج الوزارة بسبب وطنيتهم ونزاهتهم التي أمست نقطة ضعف في ظل زعامة جحا. لقد جاء الجعفري الى الوزارة وبيده معول (ساخت إيران) مصمما على هدم ما تبقى من معالم وزارة الخارجية وصرحها العالي، فما بنته الوزارة من مجد ورقي طوال العقود الماضية على الساحتين العربية والدولية، دمره الجعفري خلال سنة واحدة، وجلس مزهوا على أنقاضها.
من المعروف أن وزارة الخارجية وزارة سيادية، فهي الشرفة الأمامية التي تطل منها الدولة على العالم الخارجي، ويفترض أن لا تمثل حزبا معينا ولا طائفة ما، ولا قومية ما. كما أن وزير الخارجية يمثل الدولة ولا يمثل نفسه أو حزبه. ربما له رؤية حاصة تجاه حدث ما، وهذه الرؤية الشخصية لا تتوافق مع سياسية الحكومة العامة، لكنه مجبر على الأخذ برأي الحكومة بإعتبار إنه يمثل جهة تنفيذية وليس تشريعية. وفي العراق الديمقراطي للنخاع توجد لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، تضم مجموعة من الأمعات الذين لا علاقة لهم بعمل الوزارة لا عن قريب ولا عن بعيد، وإلا ما علاقة رجل دين معمم بالبرتوكول والعلاقات الدولية، وقد فشل أصلا في إقامة علاقة حسنة مع ربٌ العالمين كرجل دين؟
مع هذا فأن هذه اللجنة بإستثناء الموافقة على تعيينات السفراء وأقاربهم، لا علاقة لهم بمواقف الجعفري الهستيرية، فقد إشترى ذممهم من خلال تعين أقاربهم في السفارات الراقية خارج ضوابط التعيين، أو إبقائهم في العمل في تلك السفارات خارج ضوابط مدد العمل في الخارج التي حددها قانون ونظام الخدمة الخارجية. لذا مع شدة حساسية المواقف الجعفرية المقرفة، لم تحك اللجنة جلدها البتة، محافظة على الإمتيازات التي تتمتع بها. وربما هناك أسباب أخرى كالخشية من نظام الملالي الذي فقس الجعفري وبطانته الدعوجية، او من منطلق آخر هو الخشية من التعامل مع قبضاي مهووس (بايع ومخلص).
الغريب في مواقف الجعفري إنه لحد الآن يعتبر نفسه وكيل نظام الملالي في الوزارة، مؤديا كل فروض الطاعة لسيده السفير الإيراني في العراق، وفي إجتماعاته مع السفير الإيراني (حسن دناءة) يتصرف مثل تلميذ مذنب في حضرة مدير مدرسة، يتسلم الأوامر والتوجيهات من السفير، ضاربا بعرض الحائط رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب واللجنة البرلمانية، مع ان هذه الأطراف لا تقل طاعة للسفير الإيراني عن الجعفري. فجميعهم طاقم في سفينه القبطان حسن دنائي. وما أن تنتهي لقاءات الجعفري مع دنائي، حتى يدلي الناطق بإسم الوزارة الجنجلوتية المملة بأن الطرفين ناقشا” ضرورة تضافر الجُهُود، والتعاون في مُواجَهَة التحدِّيات التي تتعرَّض لها عُمُوم المنطقة، وتعزيز العلاقات الثنائيّة بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين، ومناقشة مُجمَل التطوُّرات الأمنيَّة، والسياسيَّة، والحرب ضدّ إرهابيِّي داعش”. وتنتهي الجنجلوتية بشكر الحكومة الإيرانية لمواقف ربيها الجعفري الثابتة في الدفاع عن المواقف الايرانية واستراتيجيتها (التوسعية) في المنطقة، والإبتعاد عل الحاضنة العربية.
من نوادر جحا الدبلوماسي الأخيرة التي تضاهي إنفتاحه على داعش في مؤتمره الشهير في بغداد مع نظيره الإيراني ذكر بأن” ان مساعدات دولية كبيرة ستصل الى العراق، وان الأولوية للمناطق المدمرة: كأربيل، والموصل وصلاح الدين”. لا نعرف هل (اربيل المدمرة) هي من دعاباته الشخصية أو هي من دعابات قمقم المارد؟
ما يزال قمقم المارد في أوج نشاطه، وننتظر منه المزيد من العجائب والغرائب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات