هل هو مخاض عسير لا بد منه ؟ هل أن تباين الأراء و الخلاف الذي يحصل حول التغيير الوزاري و السعي من أجل إعادة هيكلة مؤسسات مهمة في الدولة ، و إعادة انتخاب المناصب العليا ، هذه الخلافات التي تملء المشهد بين الأطراف الفاعلين في الساحة السياسية العراقية هي عملية المخاض التي تسبق ولادة جديدة لتجربة تجاوزت عقد من الزمن ، و يرى البعض أنها وصلت إلى مسد لا يمكن تجاهله ، فهو كما يرى أصحاب نظرية ( الانسداد ) هو المسئول عن الانهيارات الأمنية و الاقتصادية و تفشي الفساد الذي وضع العراق في مقدمة البلدان الأكثر فسادا في العالم ، و هنا يأتي التركيز بالانتقال من نظرية المحاصصة الاثنية و الطائفية و الحزبية ، إلى النظرية المهنية أو الفنية أو التكنوقراط كما يتم تداول هذا المصطلح أكثر من غيره ، بالفعل هنالك الكثير من يطالب المسئولين على تعيين المستقلين الخبراء المختصين في مواقع العمل ، و على الرغم من أن تعيين الحزبيين كوزراء أو في أي موقع أخر ليس بدعا ، بل أن بلدان كثيرة تفعل ذلك ومنها البلدان المتقدمة عريقة الديمقراطية ، إلا إنَّ جمهورا عريضا في العراق يريد أن لا يرى أي حزبيا في المواقع العليا في الدولة ، و هكذا تحشد هذا الرأي الجماهير فأنتج أطرافا سياسية تعتمد هذه الرؤية ، و بالفعل تم تقديم تشكيلة حكومية من الأكاديميين و الخبراء و السياسيين المستقلين ، هذه التشكيلة أنصارها في هذا الوقت قليلون فيما يشكل المعترضون عليها الغالبية من الأطراف السياسية ، و هذا ما بدا واضحا من مواقفها تجاه التشكيلة التي تقدم بها رئيس مجلس الوزراء و بمساندة زعيم التيار الصدري و بعض الأطراف في ائتلاف دولة القانون ، و بغض النظر عما ستحمله الأيام القادمة بشأن حكومة العبادي المهنية ، إلا أن إيمان الجماهير و بعض الأطراف السياسية أن التفكير الجدي بخطوات عملية للتخلي عن نظرية المحاصصة في بناء السلطات في العراق أمر متقدم لم يحصل منذ التغيير في العام الفين و ثلاثة .
مؤكدا إذا ما نجحت الجهود الرامية للإنتقال إلى المهنية المستقلة ، فلن تنجح إذا أكتفت بالتغيير الوزاري ، و إنما عليها أن تشمل كل المواقع الفاعلة و القوانين المرجعية و المحركة ، حتما أن الأمر سيكون كأنه انقلاب بشكل ما ، الكثير من المسئولين الذين ينتقلون بين المواقع الكبيرة و المتوسطة لن يجدوا لأنفسهم مكان ، و كثير من الاعمال و الممارسات ستجرم و تمنع ؛ هذا ما تفعله تغير النظرية ، و هنا نريد أن نطرح سؤالا بشكلٍ مباشر : هل ينبغي إجراء تغيير على طريقة الإنقلاب التي كنا نتحدث عنها في السلطة القضائية ؟ و قبل الإجابة ينبغي التعريف بأمر كل من :
أ : المحكمة الاتحادية العليا
ب: مجلس القضاء الأعلى
ج: محكمة التمييز الاتحادية
د: جهاز الادعاء العام
هـ : هيأة الإشراف القضائي
هذه هي المؤسسات العليا في السلطة القضائية ، فالسلطة القضائية مكتملت المكونات ، فيما يلاحظ مثلا أن السلطة التشريعية لا زالت تعمل بجناح واحد و هو مجلس النواب ، و لم تقم بما أشار له الدستور في المادة (65) و هو ( قانون المجلس الاتحادي ) ، هذا على مستوى البناء ؛ أما على مستوى القيادة فالمواقع الفاعلة في السلطة القضائية يشغلها قضاة عراقيون كبار من كل أطياف الاجتماع العراق ، عملوا على تقديم ( مدونة السلطة القضائية الاتحادية ) و هي منظومة تشريعية متكاملة ، و مما يثير الاستغراب في هذا المجال هي المحاولات على تغيير بعض نصوص قوانين هذه المدونة ، إلى مالا ينسجم و الرؤية التطويرية في السلطة القضائية
هذا هو واقع القضاء في العراق ، و بهذا يبدو أن الإجابة على السؤال السالف صارت واضحة ، من يرغب بإجراء تغيير في هذه السلطة فليس عليه إلا أن يقوم بإتباع السبل الدستورية و القانونية من غير الحاجة إلى خيار الانقلاب ، لإن لا أنسداد يذكر في القضاء العراقي ، بل أن خيارات الاصلاح التي صار الحديث عنها بعد ثلاثة عشر سنة في السلطات الاخرى ، تشكل منهج العمل الفعلي في الجهاز القضائي .