المشهد في العراق قبل عام 2003، فساد ورعب، الشعب بين مهاجر، وبين من باع المواد الإنشائية، التي بنى منها مسكنه ليسد رمق أسرته، دوائر الدولة الرشوة والاختلاس فيها آمر معتاد وطبيعي، الجيش عدى من يدافع عن عرش الحاكم، يستجدى أجرة النقل ليتمتع بأجازته الدورية.
النظام الطاغي بدأ يترنح تحت ضربات المجاهدين، التي وصلت إلى القصر الجمهوري، وأسس المجاهدين مقرات لهم قرب أسوار قصر الهدام في الرضوانية.
استشعر الأمريكان وحلفائهم في المنطقة، أنهم بين خيارين لا ثالث لهما، أما غزو العراق لإسقاط النظام العفلقي، أو انتظار تشكيل نظام شبيه أو قريب من النظام في الجمهورية الإسلامية، فكان الخيار الأول.
دخل المحتل لأرض العراق، لتبرز مخاوف المكونات بين مغيب لقرون يريد أن يعوض، وأخر مغيب يريد أن يكسب، ليحقق حلم رافق أجياله، وبين خائف لعلاقته مع النظام البعثي المنهار.
كان لكل مكون مشروعه الذي يعتقد أن خلاصه به، وللمحتل وحلفائه أجندتهم، التي غزو البلد من اجلها، وتقضي بإزاحة رأس الحكم وعائلته وفريقه المقرب، والإبقاء على مؤسساته وشخوصه الآخرين، متجاوز بذلك المشروع الوطني، الذي ضحت من اجله المعارضة العراقية طوال سنوات.
لتحقق ذلك، سخر المحتل وأعوانه من جوار وبقايا النظام وأجهزة الإعلام صاحبت الخبرة والإمكانات، لمهاجمة كل من كان مهجر أو مهاجر من بطش النظام بلا استثناء، بأن هؤلاء خونة، جاءوا على ظهر الدبابة الأمريكية! لإسقاطهم بنظر الشعب وإبعادهم عن القرار.
وقفت المرجعية وخلفها القوى المعارضة، بوجه هذا المشروع الخبيث.
الخبرة وقوة الأدوات، دفعت المحتل لتأجيل مشروعه، بانتظار أجواء أكثر ملائمة لتنفيذه، بدأ المحتل بإثارة النعرة الطائفية والقومية بين المكونات العراقية، لتفعيل هواجس و مخاوف المكونات من بعضها.
الخيارات منذ عام 2005 لرأس السلطة، شخصيات ضعيفة إمام السلطة والمنصب، لا تملك الرؤية وبعد النظر، لتبحر في تفعيل أجندة المحتل بعلم أو بدونه، لتتلاحق الأزمات وتشيع سياسة الصفقات والمساومات، وفتحت الأبواب أمام البعثيين والطائفيين، ليتسلموا مفاصل مهمة في الحكومة، ليشيعوا الفساد ويعمقوا الهوة بين مكونات الشعب العراقي.
عاد المحتل وأعوانه بأدواتهم السابقة لتتبدل صفة (الخونة الذي جاءوا على ظهر الدبابة) إلى (كلهم فاشلون وحرامية)، نفس مشروع المحتل، لكن غير الأدوات.
رفع شعار حكومة التكنوقراط المستقل، ليتمكن من الانفراد بالسلطة ليمرر ما يريد، بعد أن يتخلص من القوى السياسية، التي وقفت بوجه مشروعة بالأمس.
الظروف المذكورة ساهمت بنسبة كبيرة في أنتاج الواقع الحالي، وإصلاحه ليس مستحيل، متى ما وضعت خارطة طريق واضحة، وخطوات محسوبة، وتشكيل مجلس للقادة، يراقب أداء الحكومة والبرلمان، على غرار مجالس في كثير من دول العالم كبريطانيا وإيران وحتى أمريكا.
أن التطير من المحاصصة وتصويرها كمعطل لكل شيء، والخلاص منها قارب لإنقاذ البلاد والعباد، شعار خبيث، تستخدمه الأجندة الخبيثة المعادية، فلو كانت المحاصصة سيئة، لما اعتمدتها أمريكا على مستوى الحزب واللون.
العراق يضم تنوعات مختلفة، مرت بتجارب مريرة مع بعضها، فقد كان الحكم المكون واحد، يجمل بكم شخصية من المكونات الأخرى، ليس لها
إلا ما تتنعم به من امتيازات المنصب، لذا للمكونات أن تخشى على مستقبلها، وتضمن وجودها الحقيقي في مفاصل الدولة ، لتكون جزء فاعل في القرار وصنعه…