المرحوم دهلة قمر من التربويين الذين عاشوا في المدينة من ازل الوجود المندائي فيها ، ليختص حصريا بتدريس الصف الاول الابتدائي ومن خبرته تم الاستفادة منه في معهد اعداد المعلمين لتعليم الطلبة طرق تدريس القراءة الخلدونية.
وكان المرحوم دهلة فنان مسرحي ومن اوائل الذين اسسوا فرع النقابة في الناصرية وبيتهم اول بيوت شارع الفريجية من جهة نهر الفرات
لكنك اليوم ما ان تمر في شارع الفريجية ستجد ان ديموغرافية المكان قد تغيرت تماما ، وربما لم يبق من العوائل المندائية سوى عائلتين او ثلاث في هذا الشارع الاسطوري الذي نشأت في اساطير الصلوات السريانية والمندائية ورثاءات نحيب العجائز المندائيات وهي يشاركن جاراتهن المسلمات في مراثي ليلة مثتل الامام العباس ع.
لم يبق من عائلة المرحوم دهلة قمر احد ، فالجميع هاجر الى اوربا .
الام والبنت وضياء الذي ترهبن في دينه هاجروا الى هولندا ، ولاء الذي جرح في الحرب جرحا بليغا هاجر الى المانيا ، وقبلهم صفاء اكمل اعدادية الصناعة وهاجر في الثمانينات الى يوغسلافيا ، فيما هاجر الولد الاكبر علاء واخويه بهاء والاء الى السويد.
قدر المهجر مع هذه العائلة ابتدا في رحلة صفاء الذي واجه خطر الحرب بعد سنوات من العيش في يوغسلافيا ، فانقطعت الاتصلات معه ، وحمل الاب حزنه في دمعة عينيه والم قلبه ، فيما كانت الام الطيبة تركن في زاوية المنزل تحتضن صورة ولدها الذي تشعر انه يعيش في اتون جحيم تمزق بلد الى دويلات وهو الان تحت رحمة الطائرات الاطلسية وتخاف على ولدها من شظية ما .
انتهت الحرب ، وصفاء ابقى حياته مقترنة بسيدة يوغسلافية ، لكنه لم يرى ابيه في اغفاءته الاخيرة ، وربما التقى بأمه مع محطات مهجرها عن الناصرية هي وابناءها.
بين ذكريات عائلة دهلة قمر وساء في بلغراد اتجول في شوارعها الآن أفتش عن وجه صفاء هنا او هناك او في سوق شعبي في كوسوغو ، فلا أجده .
وحدها دموع امه من اجدها في الشوارع المتهدمة من اثار الحرب الاهلية تبحث معي عن منزل ربما يسكنه المندائي صفاء دهلة قمر مع اطفاله ، وهو يجالسهم قرب مدفأة شتاء صربيا يعرفهم من خلال الصور عن ذكريات طفولة ساحرة في شارع مندائي اسمه الفريجية.