عاش العراق وتستمر مأساة ومهزلة لا تشابهها رواية خرافية أو قصة خيالية؛ أبطالها ساسة صدفة وزمن بائس، ورثاثة تفكير قيادة الدولة؛ مبنية على مصالح لا تعدوكونها؛ مصائب تنهال على رؤوس جماهيرهم، وعواقب نهب وسلب وتسلل إرهاب، وملايين الضحايا الأكاذيب.لم يعد يخفى على أحد ما يجرى من فساد وحاجة إصلاح، وأن بعض القائمين لا يتحركون شعرة؛ إلاّ لكسب الوقت وعبور مطالب الشعب والمرجعية؛ بتشكيلة وزارية لا تحل ولا تربط.منذ أن أنطلقت أول تظاهرة، ومن أول إعتراف حكومي بحاجة الإصلاح، والإعتقاد الجماهيري؛ أن حزمة الإصلاحات التي أطلقها العبادي ستحل كل أزمات البلاد، ويعود بعض الساسة الى رشدهم، وينتهي الحديث السري والإجتماعات في غرفها المظلمة وخططتها القاتمة، وأنتهت كل المواقيت ولا نتائج ملموسة.تعذر العبادي بعرقلة الإصلاحات، وجهات لم يسمها تقف بالضد، وأشغل الناس بالبحث والتخمين وتعزيز الإنقسام والتشرذم والإنفلات، وظهر أنه رجل يخشى حزبه وقائمته الإنتخابية، وكأنه بين النادم والفرح بما كسبه والخائف من الخروج من حزبة وقائمتة الإنتخابية، وأعتقد أن الشعب ستنطلي عليه المناورات وسيكتفي بما يخطط لقضمهم ببطيء.إذا كان الحديث اليوم عن المحاصصة وأثرها في الدولة؛ فلماذا لا يُشكل تحالف بعيد عنها وعابر للطائفية، وله القدرة على إقناع غالبية الشعب والدفاع عن حقوقهم، أما إذا كان الحديث عن الحزبية وفي هذا السياق شجون وتقلب إنتماءات الفاسدين مع مصالحهم، وعدم الإلتزام بالحزب؛ بل أن بعض الأحزاب كانت راعية للفاسدين، وتروج للشارع أن الحزبة مثلبة، وعلينا أن نأتي بحكومة تكنوقراط ومستقلين للتخلص من الفساد.إن الحزبية ليست عائق أمام الشخص النزيه، وتجارب الشعوب تقول أن معظم قيادات العالم منتمين لأحزاب، وبعضهم لا يتجاوز حتى المعارض من المشاركة السياسية، ولكن إذا أسلمنا الى ما يطرحه رئيس الوزراء، ويردده بعض الجماهير؛ من ضرورة الحكومة المستقلة، وعلى الأحزاب الخروج بعيد عن الدائرة السلطة التنفيذية؛ فلماذا نقبل بحكومة مستقلة ورئيسها متحزب، ولديه قائمة إنتخابية يمكن أن يحتمي بها الوزير الفاسد، إذا تلحف بعباءة الحزب الحاكم.لم يتظاهر المتظاهرون، ويعتصم المعتصمون؛ كي ينفرد حزباً بالسطة، وتشكل حكومة في ليلة ظلماء؛ تناور بالطريقة التي حكم بها العراق 12 عام.يبدو أن رئيس الوزراء لم يكن خائناً لآيدلوجيات حزبه كما أتهموه حين توليه رئاسة الوزراء، وأن مشكلة العراق لا تمكن بشخصه ووزراءه، وهناك نظام سياسي ومحاصصة طائفية وليدة شرعية للفساد، والإصلاح الشكلي غير قادر على تجاوز مطالب الجماهير، والهيئات المستقلة والمنظومة الإدارية تربعتها المحسوبية، ولم يستفد بعض الساسة من تجارب الماضي، إذن إذا اراد العبادي حكومة مستقلة بعيدة عن المحاصصة الحزبية، وهو صادق أن ليس لديه مطامع حزبية وإنتخابية فعلية الإستقالة من حزبه، لنصدق إدعاءاته أنه يُريد العمل بعيد عن الأحزاب، ولا تُستغل السلطة لمكاسب حزبية، أو تتشكل كتلة عابرة للطائفية وتشكل الحكومة، ولا أعتقد أنه قادر على فعلها؛ إذ هو ليس الشخص الوحيد الأفضل في العراق.