ما لم يطل شيطان التفاصيل برأسه في اللحظات الأخيرة ويعيق قطار حكومة التكنوقراط، فان الأسماء التي احتواها مغلف العبادي المغلق الذي سلمه لرئيس البرلمان سليم الجبوري تبدو متوازنة الى حد ما، وقد تكون كفيلة، في حال مررها البرلمان بعد انتهاء مدة الأيام العشرة، برسم لوحة تقريبية لملامح دولة عراقية عصرية.
الخطوة الأولى التي تبدأ عندها مسيرة البناء هي تحييد أذرع الاخطبوط التي تلتف حول الوزارات والمؤسسات على شكل مدراء عامين أو موظفين صغار بصلاحيات كبيرة. هل ستعطى صلاحيات قطع هذه الاذرع للوزير الجديد؟، هنا مكامن الخوف الحقيقي من التدخل السافر لاباطرة الفساد الذين يتربعون على عروش الكتل السياسية. من قال ان عقود المشاريع توقع تحت مظلة العلم العراقي في مبنى هذه الوزارة أو تلك؟، ثمة من يتحدث علانية عن مكاتب متخصصة تعود لنواب ولسياسيين كبارلتوقيع تلك العقود وكأنها مقرات بديلة لتلك الوزارات.
ومثل مقهى شعبي تعلو أجواءه سحب دخان النارجيلة وصخب لاعبي طاولة الزهر والدومينو، علت البرلمان العراقي سحب التشكيك بأسماء التشكيلة الوزارية الجديدة. لم أسمع نائبا من أولئك الموزعين على الفضائيات كما يتوزع المطربون الشعبيون على الملاهي الليلية يتحدث عن برنامج الحكومة الجديدة، أو يتساءل عن برنامج وزارة ما بحكم التخصص أو العضوية في اللجان البرلمانية التي تفوق الوزارات عددا.
عشرة أيام، وقد إنقضت ثلاثة منها، قد تكفي لان يحسم حيدر العبادي ملف الوزارتين الشاغرتين، الصناعة والتجارة، المرشحتين للدمج، وقد تمرر التشكيلة “تكنوقراطيا”، لكن المطلوب شعبيا ان يقدم الوزراء الجدد برامج ورؤى واضحة ومحددة لادارة وزاراتهم، والسبل الكفيلة بقطع دابر الفساد فيها، ومطلوب “شعبيا” أيضا، أن يتصدى الوزراء الجدد لكشف ملفات الفساد في وزاراتهم خلال الحقب الماضية.
من خلال معرفتي الشخصية ببعض الأصدقاء المرشحين في التشكيلة الوزارية الجديدة، أثق بقدراتهم وبنزاهتهم، لكن جل ما أخشاه هو أن تطالهم يد الفساد وحصار الصلاحيات لافشال مهمتهم بهدف العودة بالعراق الى المربع الأول، حيث يتأهب القراصنة للوثوب الى السفينة مجددا وإفراغ خزائن العقول والضمائر، بعدما أفرغوا خزائن المال والنفط.