كتب – سعد عبد العزيز :
تحاول تركيا منذ سنين عديدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دون جدوى, رغم ان الآمال في الانضمام لم تنقطع على الإطلاق. لكن الاستفتاء الأخير في تركيا والذي يسمح للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بالحصول على صلاحيات كبيرة، يُهدر كل المساعي السابقة, وهذا ما يؤكده الكاتب الإسرائيلي “موشية تسيمرمان” في مقاله المنشور على موقع “جلوبس” العبري.
بعد الاستفتاء: أصبحت تركيا في صدام مع أوروبا..
يقول تسيمرمان: “إن الصلاحيات التي حازها أردوغان لنفسه عبر الاستفتاء الشعبي الأخير, سوف تُطيح بتركيا من قائمة الدول الديمقراطية, وستسد الطريق أمام ترشحها للانضمام للاتحاد الأوروبي. أما أردوغان الذي يدرك خطورة ذلك, فقد دخل في صدام مع أوروبا بسبب سعيه للتعديلات الدستورية. وكل تحركات الحكومة التركية الآن باتت تدل على رغبتها الشديدة لاستعادة المجد القديم, أي العودة إلى عهد الإمبراطورية الإسلامية, التي كادت أن تبتلع أوروبا في عام 1683”.
يُضيف الكاتب الإسرائيلي أن الرئيس التركي أردوغان قد تمادى في تحديه للاتحاد الأوروبي حتى أنه انتقم من المقولة القديمة التي ترددت في القرن الـ19، والتي كانت تصف الامبراطورية العثمانية بأنها “رجل أوروبا المريض”, وزعم أروغان أن أوروبا الآن هي ذلك “الرجل المريض”. وبذلك تلافى أردوغان الضربة قبل وقوعها، لأن تركيا لم تعد ترغب في الانضمام لأوروبا المريضة.
أسباب فشل انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي..
يؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن الحال كان مختلفاً قبل 15 عاماً, عندما بدأ عهد أردوغان في تركيا, وبدأت معه الإصلاحات لإزاحة العقبات أمام انضمام تركيا لأوروبا، حيث تم إلغاء عقوبة الإعدام ووقف ممارسات التعذيب وتقليل قوات الجيش والشرطة إلخ. وكانت تركيا تريد في البداية الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة, وبعد ذلك للاتحاد الاوروبي, ومنذ عام 1999 (بعد عشر سنوات من رفض طلبها للانضمام للسوق الاوروبية)، أصبحت تركيا مرشحة رسمياً للانضمام للاتحاد الأوروبي. ومنذ عام 2005 بدأت المفاوضات الرسمية من أجل الترشح للانضمام للعضوية, وكانت الآمال عريضة، ففي عام 2010 كانت اسطنبول هي “عاصمة الثقافة الأوروبية” لمدة عام, ووفقاً لاستطلاعات الرأي في تركيا ذاتها كانت هناك غالبية تؤيد الانضمام للاتحاد الاوروبي.
ويتساءل تسيمرمان عن أسباب فشل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي, فيقول “السؤال ليس جغرافياً: فوفقا للسياسة المعلنة للاتحاد الأوروبي, ليس العائق جغرافياً وإنما قيمياً. لأن الحدود على مضيق البوسفور كالحدود بين جبال الأورال. لكن أوروبا لديها قائمة مطالب من كل دولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي وهي قائمة تحتمها الديمقراطية الليبرالية. فهناك فارق بين العضوية في “حلف الناتو” الذي تنتمي إليه تركيا, وبين الانضمام للاتحاد الأوروبي. فروسيا, في وضعها الحالي, هي أيضاً لا تنطبق عليها الشروط الأساسية للانضمام للاتحاد الأوروبي ولا حتى الولايات المتحدة الأميركية التي تُطبق عقوبة الإعدام (وهذا فقط لتوضيح المبدأ, فكلا الدولتين لا تطالب بالانضمام للاتحاد الاوروبي). ولقد أعد الاتحاد الأوروبي لتركيا قائمة تحمل 35 مطلباً, وشكل آلية خاصة للمتابعة تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي بالموافقة أو بالرفض. لكن تبين في السنوات الأخيرة أن تركيا بزعامة أردوغان تتباعد شيئاً فشيئاً عن الوفاء بشروط القائمة المذكورة, وقبل نصف عام تقريباً, قرر البرلمان الاوروبي تجميد إجراءات دخول تركيا للاتحاد الأوروبي.
ليس اللوم على أردوغان وحدة..
يرى الكاتب الإسرائيلي أن الاستفتاء في تركيا بشأن إعادة العمل بعقوبة الإعدام, سيكون بمثابة الضربة القاضية لكل المساعي السابقة للانضمام للاتحاد الأوروبي. لأن أردوغان, لاعتباراته الخاصة, سواء بسبب التحدي الكردي أو الإيراني أو الروسي أو بسبب التنازل عن الدولة العلمانية أو بسبب الحلم التاريخي لاستعادة الخلافة، هو الذي سعى بنفسه لسد الطريق المؤدي للاتحاد الأوروبي.
ويؤكد تسيمرمان في ختام مقاله على أنه لا ينبغي إلقاء اللوم على أردوغان وحده, فقد كانت تركيا منذ قرابة 100 عام بمثابة النموذج الذي يُحتذى للتحول إلى الدولة العلمانية. وكانت تلك هي الغاية من “ثورة كمال أتاتورك”. وباعتبارها كذلك فقد أوفت تركيا بأحد أهم شروط الانضمام إلى أوروبا الحديثة. لكن أوروبا صاحبة العلمانية المزعومة هي ذاتها التي نظرت إلى انضمام تركيا من الزاوية الدينية: فالدولة التي سكانها مسلمون, تُعتبر دخيلة, حتى لو كانت علمانية.