14 نوفمبر، 2024 8:04 م
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (2) .. كونديرا : تعكف الروايات على لغز الأنا

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (2) .. كونديرا : تعكف الروايات على لغز الأنا

كتبت – سماح عادل :

شغف الكتاب الشباب بمعرفة ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية لا ينتهي.. وفي هذه الحلقة معنا “ميلان كونديرا” الكاتب التشيكي الذي أثر غزو الاتحاد السوفياتي لدولته تشيكوسلوفاكيا تأثيراً كبيراً على حياته ورؤيته للعالم، هنا نتعرف عن رؤيته للرواية.

ارتبط تعريف الرواية لدى “ميلان كونديرا” بتحليله لروايات هامة في تاريخ الرواية الأوروبية، وكان شغفه واضحاً بأعمال “كافكا”، وبراوية “دون كيشوت” لسرفانتس، في كتاب “فن الرواية”  ترجمة د. بدر الدين عركودي.. وهو عبارة عن حوار مطول مع “ميلان كونديرا” حول الرواية، يتخلله تحليلاته لبعض الروايات يعرف كونديرا الرواية أنها “الشكل الأكبر من النثر الذي يفحص فيه المؤلف حتى النهاية، وعبر ذوات تجريبية، التي هي الشخصيات الروائية، بعض ثيمات الوجود الكبرى”.

ويواصل رأيه: “أن الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود ما يزال مجهولاً هي رواية لا أخلاقية.. أن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة”.

لا تتناسب الرواية مع المجتمع الشمولي..

وبخصوص المجتمع الشمولي، والذي عانى منه كونديرا في بداية حياته إلا أنه رحل إلى فرنسا واستقر بها، يقول: “لا تتناسب الرواية مع المجتمع الشمولي، إنه لا تناسب أشد عمقاً من ذلك الذي يفصل بين مناضل وجلاد ليس سياسياً أو أخلاقياً فقط بل معرفي أيضاً، هذا يعني أن كلا من العالم القائم على الحقيقة الوحيدة وعالم الرواية النسبي والغامض معجون من مادة مختلفة اختلافا كلياً، كان يتم في روسيا الشيوعية نشر آلاف الراويات، لكنها روايات لم تعد تتابع استعادة الكائن، ولا تكتشف جزء جديد من الوجود وإنما يقوم سبب وجودها على عدم اكتشافها أي شئ، لم تعد تشارك”.

ويرى كونديرا “أن روح الرواية هي روح الاستمرار، كل مبدع تنطوي تجربته الروائية على باقي التجارب السابقة للرواية”. ويرى أن ما يعرف بالعولمة وتحول العالم إلى مرحلة اللاحدود أثرت على الرواية “الرواية لم تعد تستطيع الحياة في سلام مع روح عصرنا، إذا كانت تريد الاستمرار في اكتشاف ما لم  يكتشف، إذا كانت تريد أن تتقدم بوصفها رواية فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا ضد تقدم العالم”.

واستمراراً لتعريف الرواية وجوهرها يقول: “تعكف الروايات في كل زمان على لغز الأنا، يتوجب على الرواية في بحثها عن الأنا أن تهمل عالم الفعل المرئي لتعكف على اللامرئي في الحياة الداخلية، ثمة ألغازا ومسائل أخرى تلاحقها رواياتي، إدراك الأنا يعني في روايتي إدراك جوهر إشكالياتها الوجودية، أي إدراك رمزها الوجودي، لقد لاحظت في أثناء كتابتي “خفة الكائن الهشة”، أن رمز أي شخصية يتألف من بعض الكلمات الجوهرية، فبالنسبة لتيريزا مثلاً الجسد، النفس، الضعف، المثل الأعلى، الجنة، وبالنسبة لتوماس الخفة، الجاذبية، لم يدرس بالطبع هذا الرمز الوجودي بشكل مجرد، وإنما كان يكتشف بالتدريج في الرواية من خلال الفعل والمواقف”.

مضيفاً: “الرواية كلها ليست إلا استجواباً طويلاً، إن الاستجواب التأملي هو القاعدة التي بنيت عليها كل رواياتي، الشخصية الروائية ليست شبه كائن حي، أنها كائن خيالي أنا تجريبي”.

مخيلة القارئ تتمم آلياً مخيلة المؤلف ..

وحول سؤاله عن خلو رواياته من سرد تاريخ الشخصيات الروائية، ورصد تفاصيلها الشكلية وتفاصيل حياتها، وعمل إطار تاريخي للرواية يقول: “إنني لا أريد أن أرضي القارئ ورغبته الساذجة والمشروعة معاً في أن يستسلم للعالم الروائي التخييلي وخلطه من وقت لآخر مع الواقع، في رأيي مخيلة القارئ تتمم آلياً مخيلة المؤلف، هل “توماس” أسمر أم أشقر هل كان أبوه غنياً أم فقيراً أختر ما شئت، إن جعل شخصية ما حية يعني المضي حتى النهاية في إشكالياتها الوجودية، وهذا يعني المضي حتى النهاية في بعض المواقف بعض الدوافع بل بعض الكلمات التي يؤخذ بها ولا شئ أكثر من ذلك”.

مضيفاً: “إنني أعالج كل الظروف التاريخية باقتصاد هائل، إن سلوكي إزاء التاريخ هو سلوك المخرج المسرحي الذي يتدبر أمر مشهد تجريدي بعدد من الأشياء التي لا غنى عنها للحدث، فأنا لا احتفظ من الظروف التاريخية إلا بتلك التي تخلق لشخصياتي الروائية وضعاً وجودياً كاشفاً، مثلاً في روايتي “المزحة” يرى لودفيك جميع أصدقاءه يصوتون بسهولة على طرده من الجامعة، وقلب حياته رأساً على عقب، ومن هنا جاء تعريفه للإنسان أنه كائن قادر في أي ظرف على إرسال قريبه للموت مما يعني أن رؤية لودفيك للحياة لها جذورها التاريخية لكن وصف التاريخ ذاته، مثل دور الحزب، الجذور السياسية للإرهاب، تنظيم المؤسسات الاجتماعية إلخ لا يهمني ولن تجده في الرواية”.

مواصلاً في نفس الفكرة: “إن رواياتي تتحدث عن تاريخ الإنسان لا تاريخ المجتمعات، مثل ما رويته في روايتي “فالس الوداع”، في السنوات التي تلت الغزو الروسي لتيشكوسلوفاكيا 1968 حين سبق الإرهاب ضد الشعب مجازر نظمت للكلاب تلك الحادثة لها دلالة هامة، يجب أن يتم فهم وتحليل التاريخ في حد ذاته بوصفه وضعاً وجودياً، لا تفحص الرواية الواقع بل الوجود، والوجود ليس ما جرى بل هو حقل الإمكانيات الإنسانية، كل ما يمكن للإنسان أن يصيره كل ما هو قادر عليه، إن الروائي ليس مؤرخاً ولا نبياً أنه مستكشف للوجود”.

فن الإيجاز ضرورة ..

يمجد كونديرا من التكثيف في كتابة الرواية قائلاً: “يتطلب إدراك تعقد الوجود في العالم الحديث فيما يبدو لي تقنية الإيجاز والتكثيف، ثمة حدود لا يجب تجاوزها، كحدود الذاكرة مثلاً إذ يتوجب أن تكون في نهاية قراءتك قادراً على تذكر البداية، وإلا تغدو الرواية بلا شكل فضلاً عن أن وضوحها المعماري سيكون مغطى بالضباب، فن الإيجاز ضرورة، حيث الذهاب دوماً إلى قلب الأشياء”.

كما انتقد القواعد الثابتة لكتابة الرواية والتي يرسخها بعض النقاد: “الرواية مرهقة بـ”التقنية” عرض شخصية ما، وصف بيئة ما، إدخال الفعل في وضع تاريخي ما، ملء الامتداد الزمني لحياة الشخصيات بحلقات غير مفيدة، إن هدفي تخليص الرواية من آلية التقنية الروائية، واللفظة الروائية وجعلها كثيفة، الرواية حاولت منذ بداية تاريخها التخلص من الخط الواحد، وفتح ثغرات في القص المستمر لحكاية ما، إن شكل الرواية هو حرية شبه غير محدودة لكن الرواية خلال تاريخها لم تستفد من ذلك، لقد فاتتها هذه الحرية، وتركت إمكانيات شكلية عديدة بدون استثمار”.

وحول تقسيم الرواية لدى “كونديرا” إلى أجزاء والأجزاء إلى فصول والفصول إلى مقاطع، يقول: “أحب أن أقارن الرواية بالموسيقى، الجزء هو الحركة أما الفصول فهي وحدات القياس ووحدات القياس هذه إما قصيرة أو طويلة أو ذات ديمومة غير منتظمة الأمر الذي يقودنا إلى مسالة الإيقاع أن كل جزء من رواياتي يمكن أن يحمل إشارة موسيقية تدل على إيقاعه”.

وفي كتاب “الوصايا المغدورة” لميلان كونديرا، ترجمة معن عقل، يقول حول حس السخرية المشهورة به رواياته: “أن التفاهم بين الروائي والقارئ يجب أن يتوطد منذ البداية، ولابد أن يكون هذا التفاهم واضحاً، فما يروى هنا ليس جدياً حتى لو تعلق الأمر بأشياء مخيفة جداً، ليست الفكاهة ممارسة عريقة للإنسان، إنها ابتكار مرتبط بولادة الرواية، ليست الفكاهة إذاً الضحك والسخرية والهجاء، إنما نوع خاص من الهزل”.

وحول سوء فهم فكاهته وسخريته من قبل القراء والنقاد يقول: “لو سألني أحد عن السبب الأكثر تواتراً لسوء الفهم بيني وبين قرائي، لما ترددت بالإجابة “الفكاهة”، ينبغي ألا نأخذ كل شئ على محمل الجد لا شئ أصعب من إفهام الفكاهة”.

فرق جوهري بين الرواية والسيرة الذاتية..

يقول عن حلمه في أن يكون كاتب: “خلال أعوام الثورة الشيوعية في مسقط رأسي بعد عام 1948 أدركت أن الأمر الوحيد الذي رغبت به آنذاك بعمق ولهفة، هو نظرة صافية ومتحررة من الوهم، ووجدتها أخيراً في فن الرواية، لهذا السبب أن يكون المرء روائياً شكل بالنسبة لي وأكثر من ممارسة أي جنس أدبي آخر موقفاً وحكمة وموقعاً اجتماعياً، موقعاً يستبعد كل تماثل مع السياسة والدين والايديولوجيا والأخلاق والجماعة، لا يعد هروباً أو سلبية إنما يعد مقاومة وتحدياً وتمرداً، وانتهى بي الأمر إلى هذه المحاورات الغربية “هل أنت شيوعي يا سيد كونديرا ؟.. لا أنا روائي”، كنت أحلم بالكتابة دون إثارة الترقب، دون بناء تاريخ ودون الادعاء بمشابهة للواقع بالكتابة دون وصف مرحلة أو مدينة” .

وحول علاقة الرواية بالسيرة الذاتية يقول: “ثمة فرق جوهري بين الرواية والسيرة الذاتية، ترتكز قيمة السيرة على دقة الوقائع الحقيقية المكتشفة، أما قيمة الرواية فترتكز على إظهار إمكانات الوجود، والتي لم تزل مخفية حتى ذلك الحين، تكشف الرواية عن ما هو متواري في كل واحد منا، حين يشعر القارئ أنه وجد البطل يشبهه فذلك دليل على أن الرواية قرأت بوصفها رواية”.

وحول الشخصيات الروائية وتشكلها يقول: “لاشك أن كل روائي يغترف طوعاً أو كرهاً من حياته، هناك شخصيات مختلقة تماماً ولدت من أحلام يقظته المحضة، وهناك شخصيات مستوحاة من نموذج بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر أغلب الأحيان، وهناك شخصيات ولدت من أمر ثانوي وحيد يلحظه المؤلف عند شخص ما، وجميع هذه الشخصيات تحتاج إلى الاستبطان من المؤلف وإلى معرفته لذاته”.

ويوصى الروائي بإخفاء معالم شخصياته الحقيقية “مع ذلك علي الروائي قبل نشر كتابه أن يفكر في جعل “الرموز – المفاتيح” التي يمكن أن تدل على الإيحاءات والملاحظات الخاصة بشخصيات عايشها ضائعة، أولاً بسبب الحد الأدنى من الاحترام للأشخاص الذين سيجدون نتفاً من حياتهم في رواية، ومن ثم لأن الرموز، حقيقية أو زائفة، التي توضع بين يدي القارئ لا يمكن إلا أن تضلله، وبدلاً من أن يبحث في رواية عن الجوانب المجهولة للوجود سيبحث عن الجوانب المجهولة لوجود المؤلف”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة