23 نوفمبر، 2024 5:40 ص
Search
Close this search box.

لغة الدم والرصاص وهدم المنازل ستكون السائدة بعد داعش (الانبار نموذجا)

لغة الدم والرصاص وهدم المنازل ستكون السائدة بعد داعش (الانبار نموذجا)

تشتد الأخطار المحدقة بالعراق وشعبه يوماً بعد آخر، وتجتمع الرئاسات الثلاث بين فترة وأخرى برؤساء الكتل السياسية البرلمانية ويزيدون من لهيبها، ويقول يان كوبيش، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، واصفا المناطق المحررة: « هناك في المناطق التي تم تحريرها من سيطرة داعش تقارير تفيد بحصول اعتقالات عشوائية، وعمليات قتل، وتدمير ممتلكات، وتقارير متزايدة، أيضاً، عن جهود لتغيير التركيبة السكانية لتلك المناطق على نحو قسري».تحرير ام تدمير وتخريب؟واسُتخدم مصطلح (التحرير) في إشارة إلى استعادة الدولة لسيطرتها على مناطق وطرد داعش منها، لكن المثير للاستغراب ان مدينة الرمادي( وقبلها بيجي) أصبحت كتلة من الخرائب ببيوتها، ومبانيها الحكومية، وجوامعها، ومدارسها، وسيتعيّن على السكان سواء من نزحوا عنها، أو بقوا فيها، العيش في العراء ودون مرافق وخدمات وموارد رزق، بعد أن أتى التحرير المزعوم على المنازل والمتاجر والبنى التحتية من طرقات وخطوط لنقل الماء والكهرباء ومجار للصرف الصحي، مما وضع سكانها أمام معاناة قد تستمر لسنوات نظرا لضيق آفاق إعادة الإعمار في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه البلاد بفعل تهاوي أسعار النفط وارتفاع فاتورة حرب داعش.وبحدود ما سبق وصفه، تمثّل مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، نموذجا لذلك التدمير وليس التحرير، ومع تلك الصعوبات والمعوقات الجمة؛ هناك صعوبة أكبر تتمثل بوجود بعض من الشخصيات العشائرية والسياسية والحكومية، من الذين لا يأتمرون بمعروف اذا عرفوه، ولا يتناهون عن منكر اذا انكروه، يقومون بشحذ الهمم للثأر والانتقام وتنفيذ الاعدامات الميدانية، ومن تمحيص التصريحات لتلك الشخصيات في الشهر المنصرم نلحظ بوجود تيار تقوده هذه الشخصيات يسعى الى ممارسة الأدوار التحريضية والتعبوية التي ستساهم، بانتشار وتجسيد لغة الدم والثأر والانتقام بطريقة ستكون عواقبها أسوء من داعش، وستلعب دوراً رئيساً في تأجيج الأحقاد التي ستكون لها بداية وبدون نهاية، فضلاً عن انها ستؤدي الى انتشار الجور الجائر والخوف المخيف والقلق في صفوف المدنيين الامنيين.ان مأل هذه التصريحات، نتيجة مفادها؛ هناك رغبة جامحة لدى البعض لأجل تنفيذ الاعدامات الجماعية والاستحواذ على المنازل او تفجيرها تحت مسمى العمالة والخيانة والعمل مع داعش وحواضن وجماعات داعش وغيرها من مسميات وبعيدا عن نصوص القانون وسوح القضاء، ولأجل إعطاء شرعية لعمليات انتقامية خارج القانون، واعتقد سنحتاج الى مؤتمر عام يشترك فيه كافة الزعامات السياسية والحكومية والعشائرية لأجل إعادة تعريف المفاهيم كالوطنية، الخيانة، العمالة، الارهاب، لفهم ما يحيط بنا من ممارسات تعسفية خارجة عن القانون.ان معاملة الأهالي الذين كانوا متواجدين في مناطق سكناهم من قبل بعض القيادات السياسية والعشائرية والحكومية؛ لا يستقيم ووصفهم بانهم دواعش او حواضن لداعش، وقد ترجمت هذه التصريحات الى اصدار أوامر قبض بأعداد كبيرة جدا، والمثير للاستغراب هو ما سمعته بان هناك أوامر قبض جماعية مثل(فلان وأولاده او اخوته)، في سابقة خطيرة تسقط المبدأ الدستوري( العقوبة شخصية) وتجسد وتؤسس لعمليات جنائية تعسفية باسم القانون، وان هذه أوامر القبض ان صحت فإنها تؤشر لانحراف في القضاء الجزائي في الانبار وتحويله من محطة للردع وتحقيق العدالة الجزائية وضبط النشاطات الجرمية ومكافحتها الى سوق لبيع وشراء حقوق وحريات الناس وأموالهم وأعراضهم، بل وفتح شهية الجميع لتجاوز القوانين والأصول الجزائية.ان هذه القيادات العشائرية والسياسية والحكومية تناست الماسي التي تعرض لها النازحين، والتي ربما كانت السبب في بقائهم في مناطق سكناهم لتجنب المرور بالحزن والالم والفاقة التي مر بها النازحين وضروب الإهانة وامتهان الكرامة والشرف في جسر بزيبز وغيرها؛ ففضلوا البقاء كرهائن مفضلين ذلك على الخروج، فكيف لنا ان نطلق عليهم حواضن او جماعات داعش، سيما هناك الكثير منهم لم يرتكب أي جرم يحاسب عليه القانون، حتى لو لم يغادروا مدنهم.وقد تواردت الاخبار عن قيام أحد شيوخ العشائر بتفجير عدة مساكن تحت ذريعة عائديتها لأشخاص ينتمون لداعش، وتلك والله سابقة تنذر بشؤم مستطير، ستكون تداعياته عميقة الأثر، بخاصة ان لهؤلاء الأشخاص عوائل تتكون من نساء وأطفال؛ سيكونون بلا مأوى، وما هو ذنبهم إذا كان أحد افراد عائلتهم منتمي لداعش؟ هل يجوز ان نأخذ العائلة نساءا واطفالا بجريرة رب العائلة؟ لماذا يزال الضرر بأقبح منه والشريعة الإسلامية اكدت؛ لايزال الضرر بمثله؟ هل تفجير المنازل أصبح سمة بارزة وعلامة مميزة لتحرير المناطق المسيطر عليها من داعش؟ان مرحلة الانتقامات الشخصية والجهوية التي تعقب القضاء على “داعش” ستكون أكثر خطورة وستزيد من الغم العميم والبكاء الطويل، والويل والعويل والخراب والنحيب وكل مفردات البلاء المتبقية، وستثير معارك جانبية في كثير منها شخصية وللأسف المنتصر والخاسر كلاهما خاسران.ان تلك الممارسات تولد بيئة مفعمة بروح الثأر والانتقام عند سنوح الفرصة، وتؤسس لعمليات خارج القانون؛ وتجعل الأجواء ملبدة بغيوم سوداء من الحقد المجتمعي يرافقه ضغينة غائرة بالأنفس،  وتسير بالمحافظة الى نفق فيه أبواب لا تفتح الا للأمام ولا تفتح عند العودة، وبالنتيجة سيكون ضياع المحافظة وتخريب نسيجها الاجتماعي والإنساني ماثل امام الاعين، ويكون ضحيتها جيل كامل، يكون معبأ ومأزوم بالكراهية وروح الانتقام، وتعلوا افكاره تشوهات وندوب وحفر عميقة في الجسد الانباري، مما يجعل الفوضى وفقدان الامن هو العنوان الأبرز والاكبر والاشهر للمحافظة، سيما اننا نشاهد غياب كامل لمجلس المحافظة والمحافظ، لوقف مثل تلك الممارسات، لان اغلبهم اصبح عضو مجلس محافظة بالتزوير والتدليس والتغرير، وجلهم يسكنون بغداد وعمان وكوردستان، غير ابهين بما يجري ؛ فقط يجيدون الظهور في القنوات الفضائية لإلقاء محاضرات في الوطنية والنزاهة والشهامة والنزاهة، وهم لم يجسدوا ولن يمثلوا ولو حرف واحد من هذه المعاني السامية.هناك ضرورة بعدم الركون الى الثأر والانتقام العشوائي وانما إحالة هذه القضايا الى القضاء ليقوم بمهامه في اقامة التمييز ما بين المتهم المرتكب من غيره ومعاقبة المجرمين المدانين من دون رحمة وفق القوانين المعتمدة في البلاد، والعمل على ترصين الوحدة الوطنية واشاعة روح التسامح واخراج البلاد من براثن الجهوية وتنفيذ اجندات لا تريد للمحافظة الخير. ولاحظت تصريح للسيد احمد حمد العلواني (رئيس اللجنة الأمنية في الانبار) كان رائعا، عندما حذر من الاستحواذ على بيوت لمواطنين مدنيين تحت مسمى بيوت تعود لداعش، وطالب بتطويق هذه الانتهاكات وتأمين حياة السكان الأبرياء واوكل مهمة ذلك للقضاء واكد على العمل على تحقيق سرعة عودة النازحين والحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكاتهم.استدراكاً وتصويباً لما ذكرناه، وطلبا لهذه المقاصد، وبعد ان تنحى جانبا مجلس محافظة الانبار ومحافظها؛ اننا نطلب من عقلاء محافظة الرمادي ان يعملوا على وضع خارطة طريق تجعل من شعب محافظتهم يرفل بالعدالة والمساواة وسيادة القانون، وأن يكون الفعل العراقي الانباري منسجما مع القيم العليا التي تباركها شرائع السماء وقوانين الأرض، وذلك يستدعي التحلي بأخلاق الفرسان والابتعاد عن لغة الانتقام والتسامي فوق الجراح خدمة لمصالح الوطن، وبعيدا عن أيقاظ مخاوف العراقيين الأنبارين من ممارسات انتقامية على أسس شخصية غير مشروعة، وان نضع ما فعله رئيس جنوب افريقيا (نليسون مانديلا) مع القاضي الذي اصدر عليه احكام السجن امامنا، ونبتعد عن الضغائن والتعرض للمسائل الشخصية والثأرية والانتقام والهجوم غير الشرعي.ولا بد من التذكير بان، كل القوانين الدولية الخاصة بالحرب تُلزم جميع الأطراف المتقاتلة أن تتخذ جميع الاحتياطات المستعطاة للتقليل من الضرر الذي يلحق بالسكان المدنيين.ان مظاهر الانتقام والتفشي قد تنغص فرحة النازحين العائدين وتثير لديهم المخاوف وتؤدي الى نشر حالة من التشاؤم بينهم بشأن المصير الذي ينتظرهم.فعلينا ان لا نسقط هيبة الأوطان أمام مصالح زائلة ومكاسب سريعة حينها يغيب الانتماء وتتراجع قيم المواطنة، وأخيرا ندرج تصريح مركز العدالة في جنيف ((كان بإمكان السلطات العراقية ان تسلك طريق الحل السلمي للأوضاع قبل اللجوء الى الحل العسكري… فقد تظاهر الملايين من ابناء المناطق المهمشة، سلميا، منذ كانون الأول/ديسمبر 2012، مطالبين بحقوقهم المشروعة الا انهم جوبهوا بالرفض واتهم كل من شارك في التظاهرات، بانه إرهاب)).وأخيرا نختم مقالنا هذا بما قاله المرجع الشيعي اللبناني(الأمين) بأبيات شعرية من تأليفه:بني قومي أفيقوا لا تناموا  

 فأهلُكم بهم فتك الخصاموشبّت بينهم نيران حرب      

           نتائجُها ضحايا وانقسامأحاطت بالديار وساكنيها                                              فإن لم تنطفئ بقيَ الحطامُفيا عجبا نراها في اشتعالٍ                                            ونصمتُ لا يحرّكنا اضطرامنجادل بعضنا فيمن جناها                                            وفي تلك القرى استعر الحِمامُفهبّوا يا كرامًا أنقذوها                                               فبعدَ الموتِ لا يُجدي الكلامُوقال الإمام علي عليه السلام:فإذا وليت أمر قوم ليلة          فاعلم بأنك عنهم مسؤولوإذا حملت الى القبور جنازة                                                 فاعلم بأنك بعدها محمول

أحدث المقالات

أحدث المقالات