حين نصّ، دستور عام 2005، على استقلال القضاة في اتخاذ قراراتهم كان ذلك لمنح القاضي مساحة من الحريّة في العمل بعيداً عن الارتباطات الادارية لمراجعه ممثلةً بـ “مجلس القضاء الاعلى”.
فان جاء القاضي بقرار في قضية معروضة امامه لا يعني القرار يمثل وجهة نظر القائمين على القضاء العراقي؛ لانهم بطبيعة الحال يختلفون عن بقية الاداريين فليس لهم حق التدخل في القرار القضائي، بل ان من اصدره مسؤول عنه.
ونتيجة لسوء فهم طبيعة العمل القضائي او نيّة البعض في خلط الاوراق ظهرت الى الساحة الاعلامية اتهامات الى مجلس القضاء الاعلى ويحمله مسؤولية اصدار مذكرة استقدام من محكمة تحقيق في اقصى البصرة على -سبيل المثال-، وكأن اعضاء المجلس يطلعون على دعاوى وقضايا جميع محاكم العراق التي تجاوز عددها الـ ١٦٠ محكمة في عموم البلاد وبمختلف الاختصاصات!.لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال اطلاق يد القاضي في استصدار القرارات فان القانون اوجد ضوابط شديدة على عمل هذه الشريحة لمنع اي خرق للقوانين ذات العلاقة وقواعد العدالة عن خطأ متعمد او غير متعمد.
وبالتالي جاءت طرق الطعن وهي سبعة مسالك تسمح للمتضرر اللجوء اليها اذا ما اعتقد ان القرار ليس بصالحه لكي تنظر من قضاة اعلى درجة ممن اصدر الحكم او القرار.ولكي يكتسب القرار الدرجة القطعية فانه يمر باكثر من قاضي يتولى تدقيق ما معروض امامه، وكل ذلك وضعه المشرع العراقي ضمانة للوصل الى الحقيقة.
فكم من قرار جرى نقضه وفق القانون، وكم من حقيقة ظهرت في مرحلة الاستئناف او التمييز، وهذا ليس طعناً او تشكيكاً بقرار المحكمة التي اصدرت القرار الابتدائي انما ضرورة يقتضيها العمل في المحاكم فقد تحصل ثغرات يجب ان تُعالج من قضاة يتمتعون بدرجة اكبر من التجربة والخبرة.
لكّن ماذا لو تعمد القاضي المختص محاباة طرف على حساب الاخر، او تصرفات بما لا يأتلف مع العمل القضائي، وان كانت ضمن حياته الخاصة فكيف سيتم معالجة الامر؟.
ان القاضي بشر وغير معصوم من الخطأ وقد يكون هناك اشخاص يعلمون قضاة ارتكبوا اخطاء رغم انهم قلة وفي ضوئها صدرت بحقهم عقوبات وصلت الى العزل عن الخدمة.
هناك جهة تحدث الدستور عنها ومشكّلة منذ مطلع القرن الماضي وحملت طيلة السنوات الماضية تسميات مختلفة تتولى الرقابة ومحاسبة القاضي المسيء وهي هيئة الاشراف القضائي (العدلي) سابقاً التي تتولى الرقابة والاشراف على القضاة وتحقق في الشكاوى المقدمة ضدهم وترفع تقاريرها الى مجلس القضاء الاعلى.
مما تقدم اردنا ان نوضّح بان القرار القضائي الابتدائي لا يعد صكاً للغفران بيد من كسب الدعوى فهناك طرق حددها القانون يمكن من خلالها اعادة النظر فيه على صعيد الشخصي لمن اصدر ذلك القرار او مقدار قانونية القرار ومدى تحقق كامل اركانه.