حاولت المملكة العربية السعودية أن تشغل مكان مصر بالكامل في الجامعة العربية، وساهمت في نقل مقرها من القاهرة الى تونس بعد حملة إعلامية وسياسية إثر توقيع إتفاقية كامب ديفيد التاريخية التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في ضواحي واشنطن وبتوقيع الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن حيث كان المد القومي وصعود تيارات دينية متشددة ورغبة السعودية شغل الموقع المصري وظهور إيران كقوة دينية شيعية والحاجة الى دولة سنية لمواجهتها سببا مباشرا في تعميق وعي مختلف ساعد في إنزياح حكومات عربية عديدة الى جانب الرياض، وكان لعامل المال السياسي والدعم مع تراكم الثروة المالية وإرتفاع أسعار النفط.
وقد نجحت السعودية في عزل مصر لفترة طويلة، ولم تنته الأزمة بين البلدين إلا بمقتل السادات وتولي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك السلطة وقيامه بحملة علاقات عامة أعادت العلاقة الى وضعها الطبيعي، وصار أكثر تجاوبا مع الطموحات السعودية، وساند حرب صدام على إيران وبدعم من الرياض ودول الخليج، وصار الماضي شيئا من الماضي، لكن ماتحقق للسعودية لم يسمح لمصر أن تعود لما كانت عليه في عهد الراحل جمال عبد الناصر، وحتى في بدايات حكم السادات، بل صارت بلاد الفراعنة تعيش في ظل ضغوط هائلة فرضتها المواجهة مع إسرائيل، وتردي الوضع الإقتصادي وتحديات سياسية وظهور جماعات دينية متشددة، وبالتالي صارت مصر في الصف الثاني، ولم يعد بإمكانها أن تملي على الرياض سياسات ما، بل كانت سياسات الرياض هي المتبعة والمقبولة.
وبعد ضمان تراجع مصر وسيطرة السعودية على الجامعة العربية وإنهيار الحكومات القوية في ليبيا وتونس ومصر والعراق وسوريا صار ممكنا للرياض أن تسيطر مجددا بطريقة أكثر حدة ونفوذا وتأثيرا، وصارت قرارات الجامعة العربية تصدر من الرياض ويتم الإعلان عنها من القاهرة، غير إن التطور الأكثر دراماتيكية تمثل بإندلاع الثورات العربية وإنهيار تلك الأنظمة وبالتالي صعود قوى سياسية وقومية وطوائف كما حصل في العراق وسوريا ووجود إيران المتنفذة والقوية التي لم يكن بمقدور السعودية مواجهتها لوحدها وبمعزل عن إجماع عربي ما فالحليف الأمريكي ليس موثوقا به على الدوام مادام يغلب المصالح وقد يتخلى عن أي حليف في وقت ما.
السعودية اليوم تقود حملة المواجهة مع إيران التي تتحكم بمجريات أحداث عديدة من العراق الى سوريا ولبنان واليمن والبحرين، وتنافس في آسيا وأفريقيا، وتشارك في صناعة التغيرات والتحولات الكبرى دون تردد، وتعلن الرياض نفسها سيدة العالم العربي والنافذة فيه وهي الداعمة لمشروع مواجهة إيران، وتريد لبقية الدول العربية أن تكون في الميدان شريطة أن تكون القيادة سعودية بلامنافس، ومادام العدو موجودا وهو إيران فالمملكة ستبقى الى أمد طويل ربما في المقدمة من الفصيل العربي.