لا شك ان التجربة السياسية في العراق بعد عام 2003 ، تعرضت الى كثير من الاهتزازات ، ووصلت في بعض الأحيان الى حد الانهيار ، وهذا يعتمد على عدة عوامل أهمها وصول الاحزاب الاسلامية (الشيعة –السنة) للسلطة دون القدرة على تقديم نموذج صالح للحكم ، في ظل هيمنة مطلقة من قبلهم على مقاليد السلطات الثلاث ( التشريعية – التنفيذية –القضائية ) ويمكن ايعاز هذا الفشل ، مرة الى الاسباب الداخلية البنيوية في هيكلية هذه الاحزاب ، ونمطية الفكر السياسي لديها ، وما يعتريها من رؤية تعتقد انها صحيحة ، ولكن في الواقع تمثل فشل التجربة أجمعها ، وإذا ما استثنينا المعالجات الهزيلة لملف الامن ومكافحة الارهاب ، ومنذ عام 2005 ، فان فشل التجربة الاسلامية في العراق يرجع الى البناء الايدلوجي للأحزاب والحركات الاسلامية في تعاطيها مع الملفات ، بعيدا عن التسييس ، والحزبية المقيتة ، وفي قراءة بسيطة لخطاب القوى الاسلامية نجد أن لا وجود لخطاب موحد لهذه الحركات ، حتى اصبح العراق في دائرة الصراع الفكري والسياسي منذ أن تولى الاسلاميون السلطة في العراق ، وفي قراءة للخطاب السائد حالياً تجاه التجربة السياسية الشيعية تكشف مدى العجز الذي أصاب العقل العراقي في تقييمه لهذه التجارب ، الامر الذي جعل الخطاب يبدوا مؤدلج طائفيا لتبرير هذا الفشل ، وهذا ما اثبتته عموم التظاهرات الاخيرة والتي حملت شعارات ملفتة للنظر كونها نادت وتنادي بإنهاء حكم الإسلاميين وأنهم كانوا وبالاً على العراق وشعبه وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على تهديد العملية السياسية و التجربة الشيعية في البلاد عوماً في البلاد .
ما يدور من صراع سياسي وفكري بين الاحزاب السنية عموماً ، والكردية يبدو أخف وطأة ، وهذا ما يعكس وجود الرؤية الموحدة بالأهداف الاستراتيجية ، ولكن الغريب في الامر أن الاحزاب الشيعية لا تمتلك أي رؤية موحدة فيما بينها ، وأن ما موجود فعلاً ، هو أجتهدات حزبية تعكس الفكر الايدلوجي لديها ، وان وجدت رؤية ، فإنها ستقوض ، وسيكون مصيرها التشويه والتشويش ، بل أن بعض الاحزاب تعتقد ان ما يجري من صراع هو امر طبيعي في ظل الفوضى الفكرية والأيدلوجية الحزبية ، وهذا ما انعكس بالفعل من صراع في داخل البيت الشيعي ، بين القوى السياسية الشيعية ، وصل في بعض الاحيان الى حد التصارع في الشارع ، وممارسة التسقيط السياسي بين هذه القوى ، والتي تمثل قطب الرحى في العمل السياسي ، لهذا ربما يطرح تساؤل هل تمثل هذه الاحزاب تجربة شيعية ناضجة ؟!
الجواب ببساطة لا يمكن باي حال من الاحوال عد حكم الإسلاميين بعد سقوط النظام العلماني ، حكماً يمثل التجربة الاسلامية ، لانها ببساطة لا تحمل أهدافا واضحة في بناء الدولة ، وفق منظور الامام علي (ع) ، بل كانت هوامش حكومات كانت تسعى الى السلطة وتعويض ما فاتها من سنوات المعارضة ، وفق نظرية “الغاية تبرر الوسيلة ” ، والتي كانت أهدافاً وغايات فاشلة بكل المقاييس والقوانين الوضعية ، فلم تحمل بطن أجنداتها اي ورقة لهموم شعب او اوجاع وطن عاش بين مطرقة الظلم ، وسندان التسلط البغيض للاسلاميين .