ذوّبت الحداثة الشعرية من تركيز العاطفة المباشر ، وعملت على تكثيف نكهة الحزن ونزعة التوتر، فقدمت للمتلقي مديات أوسع في تصفية العديد من العوائق للانتقال من التناقضات الظاهرية إلى التناقضات الأكثر شمولا والتي تدفع باتجاه تجاوز الإنسان لمعظم إحباطاته أو على أقل تقدير الإفادة من تلك الإحباطات للولوج لعالم بديل يعوض عالمه الحالي ، المهم أن يُعبر عن الخاصية المميزة للآنا كوجود وكقدرة على ممارسة عملية التطهير ضمن النشاط النوعي الذي تقوم عليه العملية الإبداعية ،إذ أن الشعور الحداثوي تشكل على أساس أن هناك منطقا داخليا يتعارض مع المنطق ويتعارض مع السياقات النسبية والواضحة وفي ذلك وكما يرى المحدثون أن هناك تحولا قد طرأ، تحولا من التعقيد والإغتراب على صعيد الجماعات والأفراد في المفاهيم التي أثرت في البناء النفسي والثقافي ،
فقد أشار الحداثيون لوجود ثقافة جديدة لا تتلاءم والمرجعيات القديمة وعليه فأن مستويات التقارب مابين القديم والجديد أصبحت تشكل مفارقة مابين الجهتين ضمن زمن مستنفذ بزمن ما وزمن لايمكن أستنفاذه ، وهوما يشير إلى طبيعة ماضي الأشياء وكمال وجودها في مجهولها الذي لم يكتشف بعد ،
يقول بودلير (إلى أعماق المجهول كي نجد جديدا ) وهذاالبحث في المجهول بأعتقادنا يعني البحث في مجهولية الأفكار وأستقدام آلية جديدة للتأمل لتحديث الماضي ، وأن لم يكن فأحتوائه والذي يعني العمل ضمن متناقضي الإنقطاع والتواصل مع مستلزمات الخيال الذي يدخل كقوة جامعة ورابطة، كقوة مُفرقة وكقوة لامة ، وقدعُرِّف أي الخيال بأنه نمط من الذاكرة تجرد من عنصري الزمان والمكان ،وذلك يعني أن مركز إستقطاب الدهشة سيشغل مساحة أوسع من الناحية الفعلية للإشتغال مع عمق اللغة وما وراءها وسيؤمن ذلك الكثير من اللحظات التي تنسجم مع لحظة التأمل تلك بما يتلاءم مع إخضاعِ غير المألوف ضمن مستويات رفيعة في بناء النص الشعري فيتيح ذلك المجال للنزعات الإيهامية في بلوغ مستوياتها النادرة من التغريب لتتدرج في سريتها وغموض دالات قواها التعبيرية فلا وجود لنهايات إنما مستويات من الحوار الداخلي وتشعبات للسرد المطلق ،
ليبدأ كل شيء يتحرك ضمن إستجاباته وتأثيرات قدرة التجربة الجمالية للشاعر وهو ينتقل مخادعا ظواهر الأشياء وعاكسا بعاكسته على روحها الباطن ،
وتلقائيا تسفه الدلالة الموروثة لدى الحداثيون و يعني الإنسياح في مجهولية التيه يعني المزيد من البحث عن مسرات مختلفة المعنى تؤدي إلى الفوضى المنظمة فالعالم قد رُتبَ كما ينبغي ورتب الأخرون ضمن ترتيب سياقاته والمهمة أذن ليست إعادة ترتيب وإنما تكمن في كيفية تغيير هذا الشكل من الترتيب تغييرا في هندسته وموحياته لوضع الأولويات الإنسانية كهاجس متسلط يعيشه الشاعر لحظة بلحظة فكانت النتيجة المباشرة لهذا التمرد الشعري الجديد إن كل ماكتب كان مجرد أكذوبة ، كان مجرد ملاطفة الواقع ومحاباته ولايعدو في أرقى حالاته كونه تأملا سطحيا لايأتي إلى الحياة بشيء ولاينفخ فيها من السعادة أدنى أي شيء ،
[email protected]