بتاريح 5/9/1995 ضرب العاصمة الفلبينية و ما حولها أعصار شديد تسبب في قتل الكثير و خسائر مادية لا يمكن تقجيرها .. ففي العاصمة مانيلا تطايرت سقوف و جدران المنازل و المسقفات التي لم تستطع الصمود أمام رياح تجاوزت سرعتها 200 كم و كميات هائلة من الأمطار هطلت بغزارة تسببت في غرق العديد من الأحياء السكنية المكتظة بالسكان.. كما غرقت الآف الزوارق و العديد من السفن كما جنحت العشرات منها في عرض البحر و العديد منها نقلتها الأمواج العالية الى البر … لم نستطع في هذا اليوم أن نعرف ما يحدث خارج مساكننا حيث توقفت الحياة في المدينة ولا يوجد أي بث تلفزيوني أو أذاعي و أقتلعت من الأرض الأشجار و أعمدة الطاقة الكهربائية وكانت المدينة تعيش في ظلام دامس إلا أجهزة التوليد الكهربائية التي كانت منصوبة في الفنادق و العمارات الكبيرة .. و لم يكن أمامنا إلا أن نقف بخوف شديد بجانب نوافذ شقتنا لنرى ما يحدث أمامنا و نشاهد المنظر المرعب الذي أصاب المدينه و مشاهد من الدمار نشاهدها في كل لحظة تصيب هذا المبنى أو ذاك و سيول المياه التي تسببها الأمطار التي سكبتها السماء غزت شوارع العاصمة في المناطق الراقية منها و الفقيرة على حد سواء .. كما هي الرياح العاتية فعلت فعلها فقد قذفت الرياح بخزان كبير يسع الى 40 ألف لتر من فوق فندق كبير بالقرب من الشقة التي اسكنها في منطقة مكاتي الراقية في العاصمة ما نيلا الى وسط الشارع الرئيسي أمام هذا الفندق وهو مليئ بالمياه التي كان مقررا لها أن تغذي الفندق ..وفي الصباح هدأت الرياح و توقفت الأمطار و أشرقت الشمس و نزل الناس الى الشوارع وهم في ذهول كبير لما أحدثته هذه العاصفة من دمار و ساروا مشيا على الأقدام بسبب غلق كل الشوارع حيث أغلقتها الأشجار و أعمدة الكهرباء التي قلعنها الرياح و بالأشياء التي نقلتها هذه الرياح لتسقط هنا و هناك ..في اليوم الأول استطاعت السلطات الفلبينية رفع بعض الأنقاض التي أغلقت الشوارع و أعطت مجالا لسيارات فرق الأنقاذ لتأدية عملها و فتحت الشوارع المهمة في العاصمة .. في اليوم الثاني توزعت الفرق المختلفة لتأدية عملها حيث تم تأمين ملجأ للمشردين بسبب الأعصار و أنقاذ الالاف من الذين تقطعت بهم السبل في البحر و البر و تم أعادة جزأ مهما من الطاقة الكهربائية خلال ثلاثة أيام بحدها الأدنى و بدأت صيحات طلب المساعدة و الأنقاذ تنهال على السفارات و المنظمات الأنسانية لحثها على تقديم ما يمكن أن تقدمه لمساعدة الدولة و مواطنيها ..في اليوم الثالث من الأعصاركانت هناك مدينة تبعد حوالي 100 كم من العاصمة قالت عنها الأخبار أنها طمرت وسط وحول بلغ أرتفاعها أكثر من سبعة أمتار زرت هذه المدينة المنكوبة و أخذت معي كميات من المياه و الصمون بما تسع له سيارتي .. وجدت شيئا لا يصدق حيث وجدت الالاف من البشر حالتهم يرثى لها لا يملكون إلا بعض ملابس قذرة تغطي أجسادهم يفترشون الأرض و يعصرهم الجوع و العطش يتجمعون على سدة ترابية طويلة محاذية للمدينه أقامتها الحكومة على عجل لأنقاذ الذين أستطاعوا أن يتركو منازلهم هربا من السيول التي أجتاحت مدينتهم التي أغرقتها مياه الأمطار و السيول القادمة أليهم من جبل يبعد عنهم حوالي 10 كم حيث ثار بركان فيه متزامنا مع العاصفة و قذف حممه في السماء و أختلطت مياه الأمطار بملايين الأطنان من الغبار البركاني لتغمر المياه هذه المدينة بأرتفاع أكثر من 20 مترا فوق سطح الأرض و عند أنسحابها الى البحر الذي لا يبعد كثيرا عنها فأن ما ترسب من الأطيان غطى كل المنازل ولم يبقى أثرا لها سوى بعض أسطح المنازل العالية و قمم أعمدة الكهرباء و بعض أجزاء هوائيات أجهزة التلفاز …سألنا بعض المواطنين عما جرى لهذه المدينة و أحبرنا وهو يبكي على مدينته و من فقده فيها من الأهل و الأصدقاء و الأحبة و قال أن الجيش ساهم بشكل كبير أنقاذ الالاف و نقلهم الى مناطق آمنه رغم الظروف الجوية الخطره و نحن أنقذنا الجيش من الموت ..ما تشاهدوه في الصورة هو ما تبقى من هذه المدينة الكبيرة التي فقد الكثير من أهلهاو يعتقد أن الكثير منهم دفنوا في منازلهم لعدم أستطاعتهم الهرب ..الحكومة الفلبينية و بالرغم من محدودية أمكانياتها المادية فأنها أستطاعت أن تنهي موضوع هذا الأعصار خلال أسبوع و عادت الحياة الى طبيعتها في العاصمة ما نيلا و كل المدن التي تضررت منه و أستطاعت أن تنقذ الملايين من أبناء شعبها و وفرت لهم كل مستلزمات الأغاثة بأمكانياتها و المساعدات التي تلقتها من الخارج ولم نسمع أن قرشا واحدا مخصصا للأغاثة قد تم سرقته .. كان هدف الحكومة الوحيد هو أنقاذ مواطنيها و أعادة ألخدمات العامة الى وضعها الطبيعي على عكس حكوماتنا المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي في عام 2003 و لحد اليوم التي تسعى الى سرقة قوت الشعب و ثرواته ولم تستطع أن تحل أزمة واحدة و بدون أن تسرق من خلالها الملايين و المليارات من الدنانير و الدولارات .. و بالرغم من الحالة التي يعيشها العراق وهو في حالة أفلاس لم يعرف لها مثيلا طيلة عمر الدولة العراقية .. فأنهم اليوم يلتفون على مطالب المتظاهرين بالأصلاح و التغيير الى أن يكون هذا التغيير لصالحهم وهم الآن يتصارعون على المناصب الوزارية التي أدعوا أنها تنكوقراط و مستقلة .. و بالرغم من هذا كله فأنهم سائرون الى دفع العراق الى الهاوية وهو الآن على حافتها .بالوقت الذي تحاصر فيه مدن كامله بأهلها حتى الموت و تشريد الملايين من دورهم و قطعت رواتبهم و فقدوا سبل الحياة وهم يسكنون في خيم باليه ينتظرون عطف هذا و ذاك ليتكرم عليهم رغيف خبز تعتقده طفله بأنه هدية لا يمكن تثمينها .. بيوت هدمت و مدن خربت و بساتين جرفت و أحرقت و صودرت .. الالاف أصبح مصيرهم مجهولا و أكثر منهم يقبعون في السجون .و الحديث يطول و يطول عن مآساة شعب الحضارات و من يحكمه و يمثله حفتة من السراق و العملاء و الفاسدون أذلوا أهل الكرامة ولا زال الشعب صابرا ( صبر العراق صبرك ياجمل ) .