العراقيون الذين غادروا البلاد أبان الحكومات السابقة منذ ستينات القرن الماضي لم يكن يتجاوز عددهم إلا أشخاصآ معدودين باليد ، وهؤلاء خرجوا هروبآ من الحكم القمعي الذي كان سائدآ ومكنتهم الظروف والفرصة للخروج من البلد لينقذوا حياتهم ويستقروا في البلدان التي لاذوا بها وآوتهم على كل حال ، السياسة التي إنتهجها الحكم البعثي المقيت وعداءه لإيران زاد في أعداد العراقيين الذين هاجروا رغمآ عنهم لا بسبب معارضتهم أو بإرادتهم وعلى مرحلتين ، الأولى حين تبنت حكومة البعث خطط ممنهجة بترحيل آلاف العوائل الى إيران بحجة أصولهم إيرانية وليست عراقية والمرحلة الثانية عندما نشبت الحرب بين البلدين طيلة ثمان سنوات أدت بنتيجتها الى سقوط آلاف الأسرى العراقيين بأيدي القوات الإيرانية ومكثوا طيلة فترة الأسر وما بعدها في إيران وإستقر الكثيرون منهم فيها ولم يعودوا الى بلدهم بعد أن حطت الحرب أوزارها ، على ضوء هاتين النقطتين زاد أعداد العراقيين في الخارج وفي إيران بالذات ويضاف الى ذلك ما حدث بعد حرب الخليج الثانية وإنكسار الترسانة العسكرية العراقية ومعها إنهيار مؤسسات الدولة أدت الى فتح أبواب الحدود على مصراعيها لينتج عنها هروب الكثير من العوائل الى المناطق الحدودية ومنها إنتشلتهم دولآ عديدة ليلوذوا اليها ويحطوا الرحال فيها . بالتأكيد هذه الأعداد الغفيرة التي تواجدت في الخارج ليس لهم باعآ في السياسة ولا يعرفوا أي شيئآ عنها ولم يخوضوا غمارها البته والجميع على الإطلاق لم يكونوا يتصورون سقوط حكم البعث لا في أحلامهم ولا في يقضتهم والأعم الأغلب لا يطمح بغير مكسب للرزق وعيشة مستقرة وحتى من كان معارضآ ومتصدر مشهد المعارضة لم يكن طموحه يتعدى ذلك ، زاول عدد منهم بعض النشاطات الإعلامية ليعطي رسالة في إطار الإشارة الى معارضتهم لسياسة الدولة وبيان تعسفها وظلمها وجبروتها تجاه الشعب ولكن في جميع الأحوال لم ترتقي هذه النشاطات الى مستوى المعارضة الحقيقية التي تضع رؤية واقعية وعملية جماعية مشتركة لعملها وخطط لتحركاتها وتأثير هذه التحركات على مجمل الأوضاع داخل البلد في إسقاط نظام حكم أو إستلام مقاليد قيادة دولة ، وخارج البلد في إقامة علاقات متوازنة مع كافة الدول الإقليمية والدولية ، ولكونهم لا يملكون الشجاعة في التفكير لما بعد سقوط نظام الحكم أو يتخيلون ذلك لذا لم يتجرء أحد منهم على وضع إطروحة معينة أو منهاج عمل أو إستراتيجية لكيفية بناء دولة مابعد صدام ولم تتخطى معارضتهم سوى صراعات وتسقيطات وتناحرات وإنشقاقات فيما بينهم وكل منهم يدعي الوصل بليلى ، تطورات الأحداث في العالم والمنطقة وإنعكاسات ذلك على أنظمة الحكم في البلدان وموقف أمريكا من حكومة البعث جعلتها تضع العراق على سلم أولوياتها لإسقاط الحكم الصدامي بالطريقة التي تراها مناسبة ولإضفاء الشرعية على تحركها بهذا الإتجاه عمدت على إغواء مسميات المعارضة وتقريبها مستغلة بذلك الشعارات التي يرفعها كل طرف منهم أممية وقومية وعلمانية وإسلامية ومذهبية فسارع أغلب هؤلاء نحو البوصلة الأمريكية ليشبعوا بطونهم ويملئوا جيوبهم فتوجههم المخابرات الصهيوأمريكية بالشكل المباشر والغير مباشر بالوجهة التي ترتئيها ضمن المخططات التي وضعتها لإحتلال العراق ومن ثم تمزيق أوصاله المجتمعية وتفتيت أراضيه ونهب ثرواته وتقويض سياساته ، ومن فاته القطار في أول وهلة سارع الخطى ليلتحق بالركب عند محطاته التالية في مجلس الحكم والحكومات المتعاقبة وتبعآ لمتانة علاقاته يكون منصبه وإمتيازاته ، وخير دليل على ذلك ماحل بالعراق طيلة هذه السنين التي إعتلى فيها هؤلاء القادمون مع المنظومة العسكرية الأمريكية وجثموا على صدر العراقيين ومقدرات البلد ..