كنت أتساءل أحيانا , ماذا لو لم يمت جمال عبد الناصر مبكرا؟!!
واليوم أتساءل ماذا سيقول جمال لو نظر إلى الواقع العربي المعاصر المضطرم بالصراعات الإنتحارية؟!!
يبدو أن إرادة جمال قد أدركت أحوال المآل , فقضت أن يغيب جمال!!
فالأمة بين جمال الثائر العربي الإنساني , الذي بعث روحها وصقل جوهرها ووحّد صفوفها , وحوّلها إلى صوت واحد وإرادة واحدة , وبين ما هي عليه اليوم , كالفرق ما بين الليل والنهار , فالأمة كانت في زمن جمال مستيقظة مستردة لوعيها ومتوثبة نحو دورها الحضاري.
واليوم الأمة منوّمة , ومُلقاة على ظهرها في غرفة العمليات , وفي أوردتها تنسكب الأدوية المُخدرة , وفي فمها أنابيب التهوية , وتنهال عليها المشارط لتبضيعها وإعادة تركيبها من جديد , وفقا لمقتضيات المصالح الجهنمية , فهي تخضع لعمليات تشويه وتدمير قاسية ومتوحشة يقوم بها جراحون مهرة مرتزقة مأجورون , ومدرّبون في قاعات تقرير المصير المرسوم ذات يوم في اليونان.
الأمة في زمن جمال كانت واحدة , وقادتها يتحركون على إيقاع صوت واحد , فكانت العروبة قيمة كبيرة والأمة حالة مقدسة مغروسة في أعماق الوعي العربي والإنساني.
فانطلقت الأمة نحو أهدافها , وبدأت خطوات صيرورتها وتأكيد دورها , ومعنى وجودها وقيمة ما فيها , فعاشت حقيقة ذاتها وموضوعها.
واليوم لو إستيقظ جمال ونظر أحوال أمة العرب , لأنكرها وما عرفها , فما يحصل في أرجاء بلاد العرب أوطاني , لا يتفق وأبسط بديهيات المنطق والسلوك والتفاعل المسؤول , فما عادت هناك أمة ولا عروبة , بل أن الأوطان تتمزق والمجتمع العربي يتفتت , وأصبحت الأرض العربية مستباحة من القوى الإقليمية والعالمية.
وفقد العربي قيمته ودوره وقدرته على تأكيد هويته وإرادته في الحياة أينما حل ورحل.
بل أن الوطن صار عدو العربي , والدين ورطته الكبرى , وأصبح العربي يقتله العربي , وما عاد هناك عدوّ للعرب غير العرب أنفسهم؟
فثروات العرب ضد العرب , ونفط العرب ضد العرب , ودين العرب ضد العرب!!
إنه زمن إنقلاب المفاهيم , والتفاخر بالخيانة والتبعية والإذعان والفساد وتنفيذ مشاريع الآخرين.
نعم يا جمال , إنه زمن التباهي بالخيانات والتبعيات وقتل الدين بالدين.
فهل سيبقى في هذه الأمة المُفتَرَسة ما يشير إلى جمال؟!!
والأمل بولادة قائد يبعث روح جمال !!
وتحية لمصر العربية التي تتوثب بإرادة جمال!!!