-1-
في معركة فاصلة أخرى ، سجل البيشمركة الأبطال قصة انتصار أخرى ، ستظل ببعدها الاستراتيجي خالدة في السجل التاريخي والكفاحي للشعب الكوردستاني ، الذي يزخر بقصص بطولاتهم الكثيرة والمتعددة في تاريخهم الحديث والمعاصر. مآثر البيشمركة وتضحياتهم وصمودهم في أحلك الظروف ، لعبت على الدوام دورها التاريخي في معارك الشعب الكوردستاني الكبرى ، اذ قلبت المعادلات والموازين والحسابات برغم عدم التكافؤ في معادلة القوى عدة وعتاداً.
لم تدم معركة محور الخازر سوى اربع وعشرين ساعة ، أسفرت عن تحريرها وتحرير تسع قرى لتبعد شبح التهديد الارهابي عن العاصمة أربيل ، ولتزداد مساحة الأمن للمواطنين ومنهم الكاكائيون والشبك الذين تقع قراهم في مناطق المحور.
في مجابهة مماثلة في سنجار، التي لم تدم مهمة تحريرها هي الأخرى سوى ثلاثين ساعة ، وقد كان لحضور الرئيس بارزاني وإشرافه على سير المعارك فيهما دوراً مهماً ميدانياً ومعنوياً ، أسهمت دائماً في حسم المعارك بأزمنة قياسية قصيرة ، بالقياس الى حجم المعارك وسعتها ، وكثيرة هي المعارك التي خاضها الكورد في مجرى حركتهم التحررية المعاصرة ، تلك التي حظيت بوجود الرئيس بارزاني قائداً وبيشمركة، وقد أسهم تواجده المستمر في اختزال الكثير من الحسابات العسكرية ومتطلباتها ، ذلك إن القدرة القتالية والمعنوية والمبدئية هي أحد العوامل الاساسية في تحقيق الانتصارات.
يحتفظ المخزون النضالي التعبوي للكورد بهذا المأثور، الذي أرسى أسسه البارزاني الخالد . من معطيات هذا الانتصار، قلب استراتيجية المواجهة مع قوى الارهاب من الهجوم الى الانكفاء والفرار، وهي ما تمهد الطريق لتحرير كامل أراضي البلاد من براثن الإرهاب ، الذي كسرت شوكته وانهزمت فرضياته العسكرية والارهابية القائمة على الشائعات الكاذبة بالتفوق .
خلقت الانتصارات المتلاحقة ، فرصة أبداع عوامل المبادرة الكاملة عند تطوير أوضاع المجابهة وسد النواقص والثغرات ، التي شأنها قبر الارهاب في لحوده النهائية في البلاد .
إن إقليم كوردستان حريص على إدامة زخم الأمن والاستقرار وتطوير دفاعاته الأمنية على الدوام ، فهو خيمة الأمان التي يستظل بها المواطنون ، وأكثر من مليوني لاجئ من مناطق العراق المتعددة، الذين يجدون في واحته الأمن والطمأنينة، تلك التي تتعزز كل يوم بحكمة قيادته وتضحيات أبنائه البيشمركة الذين يفتدون بارواحهم منجزات الشعب الكوردستاني وقيمه الانسانية النبيلة.
قصة الانتصار الجديد لم تكن إقداماً جريئاً محسوباً بدقة المعادلات القائمة وإنما هي خطوة صحيحة.
والخطوة الصحيحة تكون مفيدة ومؤثرة لا بقدر ما حققت وحسب ، وانما بقدر ما تدلّنا على المسافة الباقية بين ما تحقق وما يجب ان يتحقق..
في محور آخر ، تخوض قواتنا المسلحة المجاهدة والبطلة من الجيش والقوات الامنية والحشد الشعبي حرباً ضروساً مع داعش الارهابي ، لتحرير مدينة الفلوجة في خطوة استراتيجية مهمة ، لقصم ظهر القوى الارهابية وأبعاد شبح تحركاتهم وارهابهم ، وتضييق الخناق عليهم ليشكل ذلك مقدمة لاندحارهم النهائي في البلاد.
من الضروري في هذا المجال ، وضع منهجية ملائمة وواضحة للاجئين من العوائل الهاربة من منطقة المعارك مع توازن مهمة اليقظة والحذر، لأن قوى الارهاب تحاول بشتى الوسائل الوضيعة ممارسة لعبتها في سفك الدماء ومحاولة خلخلة الأوضاع.
تحتاج البلاد الى تجنيد طاقات متكاملة تحسم بها المواجهة مع قوى الارهاب ، التي تحاول أن تبث وتزرع الفتن.
إن تحقيق الانتصار على الارهاب سيمهد لحالة الاستقرار السياسي والأمني وهما الاساس لبناء اي مشروع وطني ، ومثل هذا الحشد في الطاقات لا يتحقق بدون شروط موضوعية هي غائبة عن الساحة برغم صعوبة المرحلة ودقتها وحساسيتها فالحسابات متشعبة ومتداخلة.
إن بناء استراتيجية مواجهة موحدة ، تنبع من التنسيق مع كل قوى المواجهة ، لأن من شأن التخطيط المشترك تعزيز هذه الاستراتيجية ومدّها بآليات تسهم بتحقيق أهدافها وتفوّت فرصة الاستفراد بالجبهات التي يرتكز عليها الارهاب في شروره وعدوانه ، لأن تحقيق الانسجام والتنسيق شرط أساسي من شروط دحر الارهاب.
ثمة ضرورة مهمة أخرى غائبة عن المشهد ، تتعلق بتوجيه الجهود الفكرية والثقافية والإعلامية ، التي يمكن أن تعري وجه الارهاب القبيح وشروره ، اذ ينفذ ايديولوجيته الظلامية .
ومن الأهمية تغطية الانتصارات المتحققة في جبهات المواجهة مع الارهاب لما لها من أهمية وتأثير في اشاعة الطمأنينة ورفع الحالة المعنوية بين الناس.
ومن المؤسف أن يكون هناك تعتيم أعلامي على الانتصارات التي تحققها قوات البيشمركة ، فهذه الانتصارات هي محط فخر واعتزاز العالم ودعم معنوي وتعبوي لعموم الشعب العراقي.
-2-
في خضم الأحداث وتسارع الأزمات وتحقيق الانتصارات ، وما يرافق هذه التطورات من تحديات ، لابد من العودة الى أصول القضايا وجذورها ، لكي نتبين وجه الخطى ونحدد الخطوات ، التي من شأنها أعادة الهدوء والطمأنينة للنفوس.
إن الحاجة الى مراجعة الذات في ضوء المتغيرات الحالية ، لا تقل عن أهمية تحقيق الانتصارات ، أذ أن استنباط الدروس والاستنتاجات تعطي مجالا أرحب لرؤية مسارات مستقبلية أكثر قبولاً.
إن المسائل الكبيرة ، ينبغي أن لا تنسينا هموم ومشكلات الفرد والمجتمع ، بغض النظر عن الموقع الاجتماعي ، فكل انسان جدير بما يستحقه الآخرون.
إن الحقوق الاساسية لبسطاء الناس المحرومين ، يجب وضعها دوماً أمام أنظارنا ونقف مدافعين عنها دفاعنا من القضايا الكبرى السياسية والاجتماعية ، فإذا لم نبد اهتماما للقضايا ، التي تبدو صغيرة لكنها جوهرية وأساسية في صميمها ، فأننا سنعجز عن تحقيق قضايانا الكبرى التي نتبجح بها.
إن الحكومة تواجه أرثا ثقيلا على كل الصعد والمجالات ووعوداً كبيرة أطلقت على مدار الثلاث عشرة سنة الماضية ، وهي تواجه مسؤولية معالجتها في ظرف دقيق وحساس.
إن من شأن إعادة النظر، واتخاذ خطوات صحيحة من أجل اعادة المسار بمسؤولية ووعي ، تعد من المبادرات التاريخية لانتشال البلاد من أحوالها الاجتماعية المزرية ، وفسح المجال لإعادة الخطى وإن طال مسار الدرب.