تتعرض دول كثيرة إلى أزمات قد تكون داخلية أو خارجية، تؤثر على الوضع العام، ولكن بوجود مُؤسسات صنع قرار مُتماسكة وتوافق سياسي، يتم تجاوز هذه الأزمات، أما في العراق فالحال مُختلف جذرياً، فمؤسسات صنع القرار والتوافق السياسي المتمثلة بالبرلمان العراقي هو أصل الأزمات، قبل أن تكون داخلية أو خارجية، والسبب أن بنيته أزمة، حيث ينقسم البرلمان العراقي إلى فئتين، الأولى المعارضون العراقيون الذين لجؤوا إلى الدول الغربية، وعند استلامهم السلطة لم ينقلوا التجربة الغربية في إدارة الدولة، فلم يؤمنوا بالانتقال السلمي للسلطة، ولا بالقانون فوق الجميع، ولا بأهمية التوحد والتعاون، بل قدموا نموذجاً جديداً لم يكن موجوداً في تاريخ العراق، إذ اعتمدوا المحاصصة الطائفية والقومية في التقسيم الحكومي، واعتمدوا سياسة “التدوير”، أي نقل الأشخاص أنفسهم إلى وزارات ومناصب مُختلفة، ليستمر الفشل في كل المؤسسات. الفئة الثانية هم من الداخل العراقي، والأكثرية منهم لم يكونوا من أصحاب المناصب العليا، كالمدراء العامين أو الأساتذة الجامعيين، حيث اعتمد كثيرون منهم العشائرية والطائفية والمناطقية، أو خلطها معاً للوصول إلى كرسي البرلمان. بالتالي، لم يكن هؤلاء أصحاب عقلية قيادية أو علمية، تستطيع تقديم خدمة للشعب أو بناء دولة.اختلطت هاتان الفئتان مع بعضهما، لتكون النتيجة “برلمانيو الأزمات”، الذين أصبحوا مركزاً لإنتاج الأزمات وتصديرها، باستمرار في كل الدولة، ولتبدأ قصص الفشل الإداري والحكومي الداخلي مع الفشل في السياسة الخارجية، مُترافقا مع صفقات الفساد الكبرى، والتي وصلت إلى قوت الشعب، فتوزيع الطعام الفاسد وسرقة الحصة التموينية، وتأخير رواتب الموظفين، وعدم صرف رواتب المتقاعدين، كانت إمتدادا لهذا الفشل.تميّز برلمانيو الأزمات بعدم مُحاسبة الفساد ومحاربته في مفاصل الدولة، ليطلقوا أزماتٍ جديدة، وكما يقول المثل “من أمن العقاب أساء الأدب”، فلدى أكثر أعضاء مجلس النواب ملفات فساد تم التستر عليها، ونقل هذا الأسلوب إلى باقي المؤسسات، ليكون كالسرطان في جسم الدولة، وليجعلها عاجزةً عن أداء أعمالها. أما من يصعب التستر على قضاياه، فيمكنه الهرب عن طريق مطار بغداد أو أربيل، لتصدر بعدها مذكرة الإعتقال. وبسبب ذلك، ضاع من العراق أكثر من ثلاثمئة مليار دولار منذ عام 2003، والميزة الثانية لبرلمانيي الأزمات هو إفشال أي مشروع أو قانون ناجح تطرحه الكتل الأخرى، بسبب الصراع فيما بينهم، ولأنهم يخشون الكتلة الناجحة في خدمة العراقيين، فقد تكون الأوفر حظاً في الإنتخابات والمناصب السيادية في الدورات الإنتخابية. لذلك ألغي وتوقف العمل بتسعة آلاف مشروع منذ عام 2005، والشيء نفسة ينطبق على الشخصيات التي تحاول الإصلاح، حيث يشترك برلمانيو الأزمات في مُحاربته وإفشال طروحاته، لأن من يحاول الإصلاح والتغيير قد يحصل على الدعم والنجاح، بالتالي، سيكون قوياً لمحاسبة الجميع وإزاحتهم.برلمانيو الأزمات هم السببُ الرئيس في معاناةٍ كثيرة يمر بها الشعب العراقي، والسبب في تحويل الدولة إلى أكثر من فاشلة، بالتالي، يمكن اعتبار حالة العراق الأسوأ في العالم، لأن أزماته بسبب حكامه.