ظهر إسم رئيس وزراء آيسلندا في وثائق بنما بأنه لم يصرح عن ملكيته لشركة خارج آيسلندا عند فوزه في الإنتخابات البرلمانية الآيسلندية عام 2009 فإستشاط الشعب الآيسلندي غضبا ً على عدم نزاهة هذا الرئيس، فحالا ً و طوعا ً و دون أن ينتظروا إيعازا ً من أحد أحاط عشرات الآلاف من الآيسلنديون مقر الرئاسة طالبين من هذا الرئيس الفاسد الإستقالة. و بعد يومين من إعتصام الجموع الغاضبة و إصرارهم على مطلبهم إستقال الرئيس من منصبه.
أما في العراق فإن الساسة العراقيون يتبادلون فيما بينهم تهم الفساد و بعضهم يعترف على نفسه و على زملائه بالفساد و منهم من يهدد بأنه يمتلك ملفات فساد لو أعلنها ستقوم القيامة بسببها. و لكن على الرغم من كل ذلك و على الرغم من شكوى العراقيون من سوء حالهم و سوء حال بلادهم و تنسيب هذا السوء إلى هؤلاء السياسيين فإنهم ساكتون عنهم بإستثناء عدد محدود من الناشطين المدنيين الذين يتظاهرون ضد هؤلاء السياسيين. و المأساة الأكبر أن الغالبية من الشعب العراقي يعيدون إنتخاب هؤلاء السياسيون للحكم و يعيبون على المتظاهرين بعدم جدوى تظاهراتهم. و حقيقة الأمر فإن الفساد بجميع أشكاله مستشري في المجتمع العراقي، فالعديد من منتسبي المؤسسات الحكومية هم من يشارك و يمرر فساد السياسيين و المدرسون يقصرون في المدارس و يبذلون جهدهم في الدروس الخصوصية و الأطباء عبوسين في المستشفيات و بشوشين في العيادات الخاصة و القضاة لا يتوانون في مخالفة القانون و البقالون لا يجدون غضاضة في تطفيف الميزان و غير ذلك الكثير.
و هذا هو الفرق بين الآيسلنديون و العراقيون. الآيسلنديون لا يسكتون عن هفوات سياسييهم بينما العراقيون يستمرؤون فساد سياسييهم و يمارسون الفساد فيما بينهم. و لهذا السبب فإن الآيسلنديون يعيشون حياة مزدهرة و العراقيون تصيبهم المهالك من حيث لا يحتسبون، و هذا مصداقا ً لقوله سبحانه و تعالى في سورة هود – الآية 117 (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ). و على العراقيين ليعيشوا حياة مزدهرة تليق بالبشر أن يتركوا إستمراء الفساد و ممارسته إلى حرب لاهوادة فيها ضد جميع أشكاله و من يقوم به.