اشتقاق جديد ان تنمط الثورة العراقية بأسلوب ومنهج وسلوك سلمي، هذا ماعمل عليه السيد مقتدى الصدر حين دخل الخضراء وأعلن الإعتصام، خلاف التوقعات ، ماشكّل صدمة للجميع، وترحاب شعبي غير محدود . تطور نوعي بمنهج إنتزاع الحقوق، يذكرنا بتجربة المهاتما غاندي والمناضل نلسن مانديلا .. كما يكشف عورة من كان يهدد بالرجال والسلاح ..!
الأحزاب السياسية المتسلطة منذ 13 سنة وخصوصا ً حزب الدعوة الإسلامي ، كان يحسب ان توظيف الشحن الطائفي والتصعيد بحرب طائفية واستحضار تاريخ صراع وهمي بين الشيعة والسنة، سبب لأستمرار الحكم والتسلط والثروة ، بينما تهمل حقوق الناس وتقديم الخدمات واحترام الشعب، وتستأثر بالنفوذ والمال والسلطة .
القاعدة الطائفية أنتجت أضخم سجلات الفساد في تارخ الدولة العراقية، وقد استثمرت على نحو بشع سرقت بموجبه حقوق الشعب وحرياته وأوقفت عجلات النمو والتقدم ماجعل الدولة تصاب بالإنهيار في كل شيء والإفلاس ، بل وضعت البلاد في أزمة وجودية دائمة وضياع كل شيء من الأرض الى الثروة الى الوحدة الوطنية الى الآمال بالسلام الإجتماعي والأمن الوطني . اصوات الإحتجاج الشعبي لم تلتزم الصمت بل كانت تطلق صيحاتها على استحياء وإنفراد ، مقابل استنكار وقمع تقوم به احزاب السلطة واتهام المتظاهرين بالخارجين على القانون أو المندسين والبعثيين وغيرها من التهم الجاهزة ، أمام صمت المؤسسة الدينية وفرجة المجتمع . تضخم الأزمات وانتشار الفساد الذي اصبح هو القاعدة في التعامل وانهيار قواعد الحياة الإقتصادية والأمنية والمعيشية ، واحتلال ثلث البلاد من قبل عصابات ” داعش” ، سقط الرهان الطائفي ، ودفع بالجميع ترفع اصواتها بالإحتجاج بعد موجة غضب شعبي ارتفع منسوبه صيف 2015 بما كان ينذر بثورة شعبية عارمة لاتبقي ولاتذر .
تواصل الإحتجاج الشعبي المدني وانخراط جماهير التيار الصدري فيه أعطى له زخما ً هائلا في الشارع العراقي ، يساعده إشتداد عجز الحكومة عن تقديم الحلول والإصلاحات العملية، وتمسك احزاب السلطة بامتيازاتها ووزاراتها ومنافعها دون اكتراث لصراخ المحتجين، حتى جاءت الضربة القاضية بدخول زعيم التيار الصدري شخصيا لساحة التظاهر وقيادتها بروح وطنية عراقية – عربية ، غير متحزبة أو متطيفة ، هذا الحضور أعطى لمشروع التغيير برنامج عملي واهداف محددة بمطاليب تبدأ بحكومة تكنوقراط مستقلين وتتواصل في اخرى تعمل على تفكيك أزمات الوطن والمواطن. اليوم استحكم الصراع بين الحكومة وبعض الأطراف التي لاتريد التغيير ، وبين برنامج الصدرالسلمي الذي أوصله الى الذروة بدخول الخضراء والإعتصام فيها بانتظار ان يدخل الشعب ايضا ويعتصم حتى تسقط الحكومة ، وتلك لعمري ظاهرة في تحول الثورة من صوت الرصاص والمدفع الى لغة الحوار السلمي والشعار الوطني العنيد من اجل انتزاع المطاليب .
برنامج التغيير السلمي الذي تبناه الصدر، صار يجبر الحكومة على التنازل،وبهذا يكتب اسلوبه الديمقراطي في مشروعه السياسي، من هنا تأتي الصدمة في ان يتبنى فصيل يقوم على ذاكرة المقاومة القتالية اسلوب العمل السلمي .السؤال الآن يبحث في موقف الاحزاب ومافيات الموت وعصابات المال، وردة فعلها أزاء هذا التحول الذي يكتب نهاية لمكاسبها ومصالحها في العراق المستباح ..؟