23 ديسمبر، 2024 5:52 م

لماذا تجلد مدينة الحلة العراقية أكثر من غيرها؟

لماذا تجلد مدينة الحلة العراقية أكثر من غيرها؟

بعيداً عن المقدمات التي لم يعد بحاجة إليها أي متابع لشؤون العراق ومنطقة الشرق الأوسط؛ نقول بأن جميع مدن العراق لم يفتها نصيبها من التفجيرات الدامية والأشكال الأخرى للأعمال الإرهابية الحقيقية والتي تقدر بالعشرات منذ الغزو الأمريكي للعراق في نيسان أبريل 2003 لكن ثمة خصوصية لمدينة ربما فاقت “نسبياً” إذا استثنينا العاصمة بغداد، جميع مدن العراق من حيث تلقيها لضربات الإرهاب المنظم، فماهي الأسباب الأكثر احتمالاً من غيرها وراء تقصد هذه المدينة بالتفجيرات الدامية بين الحين والآخر؟
في استعراض تاريخي سريع لأشهر الحوادث التي عصفت بهذه المدينة العريقة وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ نجد أنها تعرضت في:
تموز/ يوليو 2004، شهدت عدد من مدن العراق تفجيرات دامية كان من بينها مدينة الحلة حيث وقع العشرات بين قتيل وجريح.
شباط/فبراير 2005 تفجير سيارة مفخخة يودي بحياة أكثر من 115 قتيلاً وأكثر من 130 جريح
آذار/ مارس 2006 تفجيرات دامية راح ضحيتها قرابة 34 شخص بتفجير سيارة مفخخة.
الأول من فبراير/شباط 2007 هجوم بسيارتين مفخختين في سوق بمدينة الحلة جنوب بغداد ومقتل 61 واصابة 150 شخصا، آذار/مارس2007 تفجير وصف بالانتحاري يودي بحياة العشرات من الزائرين المتوجهين الى مدينة كربلاء المقدسة في مدينة الحلة وبالتحديد في التقاطع الذي يربط بين مدينة بغداد الحلة النجف وكربلاء.
آب/ أغسطس 2008 تفجيرات قتل خلالها بسيارة مفخخة عشرات المدنيين كان من بينهم ابن شقيق وزير السياحة وتحقيقات صحفية تكشف ملابسات ضلوع جهاز (اطلاعات الإيراني) بتفجيرات الحلة، بحسب ما جاء في الصحافة العراقية.
أيلول /سبتمبر 2009 ذكرت مصادر طبية وأمنية عراقية الجمعة أن ثمانية أشخاص قتلوا وأصيب 57 آخرين في انفجارين استهدفا مزارين للشيعة في مدينة الحلة 100 كم جنوب بغداد.
آيار/ مايو 2010 انفجار سيارتين مفخختين في مدينة الحلة مخلفة 36 قتيلا و140 جريحا.
كانون الأول/ يناير 2011 مقتل أكثر من 30 في سلسلة تفجيرات في بغداد والحلَّة.
حزيران/ يونيو 2012 ضربت تفجيرات هائلة أكثر من ثمان مدن عراقية كان من بينها مدينة الحلة سقط خلالها أكثر من 53 مدني بين قتيل وجريح، لكن شهر كانون الأول/ نوفمبر 2012 انفردت الحلة بتفجير راح ضحيته أكثر من 30 مدني بين قتيل وجريح.
آيار/ مايو 2013 وقع تفجير مزدوج بسيارات مفخخة راح ضحيته قرابة 90 مدني من أهالي الحلة بين قتيل وجريح.
في آذار/ مارس 2014 وقعت تفجيرات قرب سيطرة الآثار راح ضحيته أكثر من 36 مدني، وفي حزيران/ يونيو 2014 شهدت مدين الحلة انفجار سيارة مفخخة قرب مستشفى الحلة راح ضحيتها قرابة 28 مدني.
كانون الثاني/ يناير سنة 2016م، (تفجير في مسجدين بمدينة الحلة وسط العراق)
آذار/ مارس 2016 (تفجير دام في الحلة العراقية يسفر عن مقتل وإصابة العشرات)
لو تصفحنا سريعاً تلك الحوادث وهي الأبرز كما تقدم، نجد أن معظمها يرتبط بوقائع وظروف ربما كان من مصلة المجموعة الحاكمة وقوعها ومثالاً على ذلك:
تفجير 2004 اشتداد المعارك بين التيار الصدري والقوات الأمريكية وكانت الحلة أبرز معاقل تمويل وإمداد المقاومة.
تفجيرات 2005 كان هنالك حديث عن مصالحة وطنية حظيت بتأييد شعبي واسع وبقيت الحكومات المتعاقبة تلف وتدور وتتنصل عن وعودها عبر تشكيل لجان وافتعال أزمات وتقديم حلول وهمية وأخرى ترقيعية لا تقدم أو تأخر في مجال حل إشكاليات العملية السياسية في العراق، وهي بالمناسبة سياسة مستمرة حتى يومنا هذا.
أواخر سنة 2011 كان موعد انسحاب شكلي للقوات الأمريكية من العراق بعد توقيع اتفاقية أمنية مع حكومة “نوري المالكي” تتيح لها التدخل عسكرياً في شؤون العراق متى أرادت، وهي اتفاقية لاقت رفضاً شديداً من معظم مكونات وتيارات الحراك السياسي في العراق بل وحتى من قبل بعض المشتركين في العملية السياسية.
على الصعيد الميداني يلفت تصفح تاريخ تفجيرات الحلة انتباه المتابع إلى الآتي:
1- معظم هذه التفجيرات جرت بنفس الطريقة رغم اختلاف المتهمين واختلاف جهات انتمائهم، فقد جرت عن نقطة تفتيش تسمى “سيطرة الآثار” من جهة
بغداد وهي نقطة واقعة على مدخل مدينة بابل الأثرية وتبعد 7 كيلو متر عن مركز مدينة الحلة، وفي تحليل بسيط لتسجيلا الفيديو لحوادث هذه السيطرة تجد أن نفس الإجراء يسبق كل تفجير وهو ادعاء السيطرة تعطل شاحنة أو تعطل جهاز الفحص لحشد أكبر عدد ممكن من الناس استعداداً لتفجير السيارة المفخخة أو العبوة الناسفة.
2- نجد بأن هذه الحوادث التي تستهدف المدنيين في كل مرة يعقبها خروج أشخاص موَجَّهينَ بكل وضوح؛ “مدنيين أو عسكريين” ليسوا من المواطنين العاديين ولا من المتضررين جرّاء الانفجارات ليتحدثوا بعد كل تفجير بدقائق وقبل أي تحقيق جنائي مهني بما يوحي ويلمح إلى أن مصدر التفجير جاء من محافظات المنطقة الغربية في مشهد درامي هابط يحاول بكل سذاجة سحب قناعة المواطن العراقي من مكون معين لاتهام مكون آخر.
3- معظم هذه الحوادث الكبيرة تجري بصورة سنوية وفي نفس المدة -غالباً- “بين شهري آيار وحزيران” وكأنها معدة من قبل جهة إجرامية واحدة لتحقيق مطالب وغايات مستمرة منها إشغال المدينة وأهلها عن الأوضاع المأساوية التي تعيشها وإدامة زخم جهود إذكاء الفتنة الطائفية وإرهاب الشخصيات والتيارات الرافضة للفتنة ولتواجد مؤسسات خاصة بأجهزة المخابرات الإيرانية بحسب ما يتداوله بعض سكان مدينة الحلة.
4- محافظات النجف وكربلاء المجاورتين ورغم وقوع حوادث مماثلة ولكن بنسبة أقل بكثير، تحتاج إلى هدوء أمني لاستقبال الزائرين من مختلف دول العالم فضلا عن الزائرين من الداخل العراقي بالملايين سنوياً وهو ما يحقق إيرادات ضخمة للمستثمرين وهو هدوء لا تحتاجه مدينة الحلة المجاورة بل تحتاج -من وجهة نظر القائمين على الشؤون السياسية والأمنية في العراق- إلى حالة من الرعب والشعور الدائم بانعدام الأمن للأسباب المذكور بعضها أعلاه، وإلا ما لفرق بين تركيبة وتجهيزات العناصر الأمنية المشرفة على مداخل ومخارج المدن الثلاث المذكورة؟
5- لوحظ من خلال المتابعة الدقيقة أن محطة BBC والمعروفة بتوجهاتها وشهرتها كذلك وعلى صفحتها الناطقة بالعربية كانت تتابع وتركز على تفجيرات الحلة وبغداد بصورة أدق من بقية المدن العراقية.
6- التخبط الذي اتسمت به صياغة الأخبار في الصحف والمواقع الإليكترونية التابعة للأحزاب السياسية والتي تتهم على سبيل المثال وكماء جاء على موقع براثا ما نصّه (وتأتي هذا الاعمال الإرهابية بالتزامن مع تفجيرات إرهابية اخرى تنفذها مجاميع مرتبطة بالقاعدة والبعثيين من هيئة الإرهاب بقيادة المجرم حارث الضاري والتي بدأت سلسلة من عملياتها الدموية تنفيذا للتهديدات
التي أطلقتها بعض القيادات السياسية التي ثبت ضلوعها في الإرهاب) على الرغم من معرفة المبتدئين والهواة في مجال السياسة؛ بالتناقض المبدئي بين الأطراف الثلاثة المتهمة بعملية واحدة وقعت في شهر آيار/ مايو 2010.
7- مدينة الحلة وهي مركز محافظة بابل؛ تعد أكثر مدن العراق اختلاطاً بين مكوناته المذهبية وهي ذات طابع عشائري بصورة واضحة وتعد الحلة واحدة من أغنى مدن العراق بالمثقفين والعلماء والشعراء والأدباء ومن مختلف التيارات والمكونات الدينية والعشائرية، ومعظم قبائلها تضم في القبيلة الواحدة مكونات من المذاهب الإسلامية المتعددة، وبالتالي فإن استمرار “جلد الحلة” يأتي لضمان سكوت معظم مثقفيها وشيوخها وسكانها على عمليات القتل والاعتقال والتهجير التي تطال في معظمها مكون مذهبي معين بهدف إحداث تغيير ديموغرافي واسع النطاق لضمان تحقيق إحدى الخطوات المهمة على طريق تقسيم العراق مستقبلا.
تدلنا جملة هذه المعطيات على حلقة مهمة من حلقات التآمر على العراق عبر دراسة متأنية لإحدى الحالات وهي كثيرة يستحق معظمها الدراسة والتأمل والتحليل لمعرفة ما يراد لهذا البلد ومن يقف خلف عمليات الإبادة الجماعية لسكانه بواسطة وتحت ذريعة (الإرهاب ومحاربة الإرهاب) وماذا يراد لهذا البلد الجريح من قبل أعدائه التاريخيين منهم أو الطارئين.