مازالت الحكومة العراقية تحشد كل طاقاتها السياسية و المالية و العسكرية للتخلص من إحتلال داعش الذي توسع أثر إنسحاب الجيش بأوامر من المالكي و قياداته بحسب التحقيقات، بالتالي أصدرت المرجعية الدينية فتوى القتال لإرسال قوات مدنية إضافية دعما لما تبقى من الجيش العراقي، سميت بالحشد الشعبي و التي إستطاعت تحرير بعض المناطق، و رغم الصعوبات التي تواجُهها الحكومة العراقية في هذه الوقت لكنها لن تكون الأخيرة، ففي الأفق تلوح أزمة المليشيات المنضوية تحت تسمية الحشد الشعبي والتي قد تكون سببا في تفكك الحكومة العراقية و تحولها الى شبه دولة، لهذه المليشيات تاريخ و دور في فشل الحكومة العراقية فقد إتجه الكثير من السياسيين بعد عام ٢٠٠٣ الى دعم و تأسيس المليشيات، و رغم إن عددها كان ضئيلا في البداية، لكن الغريب إن المليشيات تكاثرت و صارت مدعومة سياسيا و ماليا و بشكل أكبر، و بعدها أصبحت رديفا للجيش و قوى الأمن، فأسست مراكز التطوع و التدريب مع صرف رواتب للمنتسبين، و صار لديها نقاط تفتيش خاصة تقوم بتدقيق الهويات و الأعتقال و إجتياز الحواجز الأمنية للشرطة و الجيش بصلاحيات حكومية، و أخيراً تم دمج قادة المليشيات بنواة الجيش العراقي مع رتب عسكرية، هذا البناء الخاطئ أدى الى إنهيار الجيش العراقي و إنسحابة من المحافظات مع أول مواجهة عسكرية مع داعش، فكانت هذه المليشيات سبباً في انسحاب الجيش و تسليم المحافظات دون قتال مع إشتراك بعض السياسيين، و بعد أن أصدرت المرجعية فتوى القتال أثر سقوط المحافظات، تم أرسال المدنيين الى الجبهات، ولكن على شكل جماعات مُقاتلة أو مليشيات وليس على شكل جيش مدني تحت قيادة عسكرية، إن هذا الاجراء حَولَ الكثير من المدنيين الى قادة مليشيات و مُقاتلين، فأصبحوا بمكانة إجتماعية و سياسية مُختلفة يمتلكون سلطات واسعة مع دعم مالي مُستقر، بالتالي صار القتال على شكل مليشيا مهنة و عمل أفضل من أعمالهم السابقة في الحياة المدنية، و صارت هذه المليشيات تمتلك غرف عمليات و مخازن أسلحة بانواعها و أجهزة إتصال و الكثير من سيارات مُصفحة، مع خبرة قتال كبيرة و سلطة واسعة مدعومة بأعتراف رسمي من الحكومة أكثر من السابق، هنا يكون السؤال كيف سيمكن للحكومة أن تحل المليشيات بعد التخلص من داعش، هل سُيقنع القرار الحكومي قادة المليشيات الذين مارسوا السلطة و إكتسبوا المكانة و التأثير السياسي و خبرة القتال لتعود بكافة شخصياتها الى الحياة المدنية للعمل كتاجر و أستاذ و موظف، رئيس الوزراء حيدر العبادي يقول إن الحشد الشعبي صار جزء من المؤسسة العسكرية، ولكن يبقى هذا القرار ضبابي، فكيف يتحرك الحشد و ماهي هيكليته الإدراية و مُخصصاته، ماهي واجباته، هل سيكون تابعا لوزارة الدفاع، أم رئيس الوزراء، من هو قائد الحشد الشعبي، و الأهم هل سيتم دمجة بالجيش مرة أُخرى ليتكرر نفس الخطا الذي أدى الى سقوط المحافظات، حالةُ الحكومة العراقية يشبهُ حالة حكومة المُجاهدين في أفانستان عام ١٩٩٢، حيث ظهرت الفصائل التي تملك السلاح و الخبرة العسكرية و التأثير السياسي بعد إنتهاء الحرب مع السوفيت، فسعى الجميع الى حكم البلاد دون تقديم تنازلات، مع ظهور خلافات بين القادة المدنيين و قادة الفصائل العسكرية، ليتحول الخلاف الى حرب أهلية، إستغلتها حركة طالبان لتقضي على الجميع و أنهت وجود دولة أفانستان، فهل سيكون مصير الحكومة العراقية نفسه بعد القضاء على داعش و بقاء سطوة المليشيات منافسة للدولة.