20 ديسمبر، 2024 11:45 ص

ماذا لو عاد حزب البعث .. رغم أني أتنبأ له بالعودة ! ج 1

ماذا لو عاد حزب البعث .. رغم أني أتنبأ له بالعودة ! ج 1

عنوان الموضوع أو المقال سيبدو للقارئ وكأنه .. كمّن يسأل ويُجيب على سؤاله … ولكن للضرورة أحكام أحياناً  …كعادتنا .. بدون مجاملة أو تقية أو نفاق , بل وبدون أدنى شك يراودنا ويراود من هم على شاكلتنا … بات اليوم الكثير .. الكثير من أبناء هذا الشعب المبتلى والمنكوب ,  بمن فيهم الجيل الأخير الذي لم يعاصر فترة أو حقبة  حكم حزب البعث العربي الاشتراكي , بما لها وما عليها … الحزب الذي لم أنتمي إليه أو لغيره حتى يومنا هذا !؟, لأسباب عدة , كان من أهمها وأبرزها اعدام وتغيب الكثير من الشباب بسبب وشاية أو ممن غرر بهم بالإنتماء للأحزاب الطائفية الموالية لإيران وعلى رأسهم حزب الدعوة العميل ومشتقاته , وكذلك بسبب كثرة اللوكية والانتهازيين والوصوليين والمتسلقين آنذاك بين صفوفه , ولكن للأمانة التاريخية وللإنصاف أقولها اليوم وبعد حوالي ثلاثة عقود تقريباً مضت بحلوها ومرها , كان في صفوف حزب البعث الكثير من القادة الوطنيين الشرفاء الأصلاء , ومن أصحاب المبادئ الذين لم يغيروا جلودهم حتى بعد انهيار النظام ومحاولات إيران وعملائها اجتثاثه , وضحوا بحياتهم وبكل ما يملكون , وهم بعشرات الآلاف , نحترم ونقدر الأحياء منهم , ونترحم على الأموات ونتذكرهم بألف خير .قبل الولوج في صلب الموضوع , لا بد لي أن أتوقف عند مرحلة من مراحل حياتي وتجربتي المتواضعة الخاصة , كي يطلع القارئ الكريم .. سر وأسباب اختياري لهذا الموضوع وهذا العنوان أعلاه في هذا التوقيت بالذات ؟, وللإنصاف والحيادية والمصدلقية يجب أن يعرف المتابع الكريم أيضاً … هل كاتب هذه السطور بعثي أم لا ؟’ كي ينصب نفسه مدافعاً عن حزب له أنصاره ومريديه داخل وخارج العراق , أو متباكياً على مرحلة مضت بكل مآسيها وآلامها وآمالها وطموحاتها وانجازاتها العظيمة في شتى المجالات شاء من شاء وأبى من أبى .
حقيقة الأمر كشاب طموح كانت تراودني منذ الطفولة حب المغامرة واكتشاف ما وراء البيئة والمحيط والحدود الجغرافية للوطن , وقد تأثرت بالثقافة الأوربية مبكراً ومنذ الصبا عندما عملت في العطلة الصيفية في احدى الشركات الأجنبية الأوربية التي أنشأت لها مقراً بالقرب من مكان سكنانا , وبعد خمس سنوات تقريباً , وبعد انهاء مرحلة الاعدادية , قررت السفر للدارسة على النفقة الخاصة خارج العراق , كان من أهم الشروط للموافقة على السفر هو أن تأتي بتأييد من مسؤولك الحزبي وتذهب به إلى المكتب التنفيذي لكي يمنحوك الموافقة لإتمام معاملة السفر !. وكانت هذه أول عقبة كأداء وقفت في طريقي للحصول على موافقة السفر !, فتشاورت مع أحد أقرب الأصدقاء وهو الأخ والصديق العزيز ” عبد الحسن كريم عبد الرضا الأمير ” الرجل حي يرزق ومن عائلة كريمة ومعروفة …  وقلت له برأيك ما هو الحل … فقال بسيط جداً .. سأجلب لك التزكية من مسؤولك الحزبي …!؟ , فضحكت وقلت له كيف وأنا غير منتمي ولا يوجد لدي مسؤول ؟, فأجابني بسيطة سأذهب غداً للسيد ” شاكر عودة ” وهو مسؤول كبير في الحزب ورئيس منظمة الطلائع ( للأمانة .. هذا الرجل لم أراه ولم ألتقي به في حياتي ) , وسأجلب لك الموافقة والتأييد !, وفعلاً بعد عدة أيام كان التأيد من مسؤولي الحزبي بين يدي !!!,  فتوجهت مع الوالد رحمه الله إلى بغداد وأكملت المعاملة التي استمرة أيام وأسابيع بعد مدولات ومشاورات أنجزت وأتممت كافة الموافقات الرسمية , سافرت إلى الخارج بدون واسطة .. ما عدى التأيد الحزبي !, ولم يكن لي أحد في وجهتي وتجربتي الأولى خارج العراق , وهذه بحد ذاتها مجازفة وقصة طويلة ومعقدة جداً لعدة أسباب , منها وأهمها .. تحصيل القبول الجامعي وارساله إلى العراق وفتح الملف وموافقة التجنيد العامة … ألخ , تنقّلت خلال تلك المرحة الرحلة الشاقة بين ثلاث دول أوربية , في الأولى لم أحصل على قبول , وفي الثانية بدأت السنة الأولى في معهد اللغة , ولكن بسبب غلاء المعيشة وأجور الدراسة , انتقلت إلى الدولة الثالثة , وبدأت فيها من جديد , حتى تم اغلاق ملفي , وكنت حينها في الصف الرابع ” هندسة مدني ” , لأن فترة الدراسة هي سنة معهد لغة وخمس سنوات دراسة في حال عدم وجود سنة رسوب !, وبما أني  تأخرت في التنقل بين ثلاث دول أوربية حتى بدأت الدراسة بعد انهاء معهد اللغة الثاني , ناهيك عن الظروف المادية الصعبة التي كنت أمر بها , والحرب القائمة بين العراق وإيران , وغيرها من المشاكل والتعقيدات , أما قصة الرفاق واللوكية والإنتهازيين الذين هربت منهم في العراق , للأسف وجدتهم أمامي في تلك الدولة , بل كان البعض منهم من الخسة والنذالة والتجسس , جعلني أقول بيني وبين نفسي بأن هذه النماذج لو فتشت عنها في جميع مزابل ونفايات العراق … ربما لم أجد أسوء منها, حقيقة كانت رحلة الدراسة شاقة ومعقدة منذ البداية … تخللتها ريبة وشكوك وأسئلة وتحقيقات معي وكأني في الأمن العامة في بغداد .. منين جاي … !, ومنو مسؤلك الحزبي … عندما سمعت بهذا السؤال فكرّت بهذا المسكين الذي أعطاني التأيد الحزبي … يا ربي أكيد راح ينهجم بيته وبيت صديقي المكرود , الذي كان هو الآخر غير بعثي , سؤال آخر .. منو أصدقائك المقربين في العراق عددهم ؟, أخوانك بالأسماء ؟ , أولا عمك أولاد خالك , وأكتب لنا تقرير وأجوبة عن كل هذه الأسئلة  في هذه الاستمارة … ألخ , لازلت أحتفظ في ذاكرتي بأسمائهم وصفاتهم الحزبية وألقابهم ومناطقهم , حتى إن أحدهم كان يطلقون عليه أسم وصفة ( أبو عدي أو صدام ) في تلك الدولة وكان الكل يخاف منه ويتحاشاه ( يقيم الآن في الأمارات ) !؟, بل الأكثر رعباً هو القنصل أو الملحق الثقافي ( لفته درويش ) الذي اجتمع بنا في احدى القاعات في معهد اللغة وكان عددنا أكثر من 200 طالب … وكانت أول جملتين خاطبنا بها …  لم أنساها أبداً : ( أسمعواني زين , أنتم الآن في أوربا … وضرب لنا مثل سخيف جداً ( مو مثل ذاك إلي شاف ما شاف … ألخ )!؟, ولكن في الجملة الثانية استشهد بآية قرآنية … حورها ونسبها لحزب البعث … نزلت على رؤوس الجميع كالصاعقة عندما قال بالحرف الوحد : مهدداً ومتوعداً كل من تسول له نفسه بأن يشذ عن القاعدة .. وقالها الرجل باللهجة العراقية ( يلعب بذيله ) , موجهاً سبابته نحونا … أسمعوا زين .. ترى الحزب … أي حزب البعث مثل الله يقول للشيء كنّ فيكون !؟, فلا تتصورون أنفسكم بدون رقيب أوحسيب ؟, قلت بيني وبين نفسي هذا شنو من إنسان وضيع , معقولة يشبه الحزب بالله … أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله … لكن من المفارقات الغريبة العجيبة ومباشرة بعد فرض الحصار على العراق , وانقطاع التمويل والرواتب الدولارية والمنح والهبات عن بعض الرفاق وعن أولئك اللوكية والانتهازيين وكتبت التقارير  , بسرعة البرق انقلبوا على أعقابهم هاربين , وبدءوا يبحثون عن دول غربية تؤيهم كونهم أصبحوا في ليلة وضحاها من أشد المعارضين لنظام صدام حسين والحزب والثورة  , بحيث أن أحدهم  طلب مني أن أساعده في تأمين سفره إلى ليبيا بعد أن أكمل دراسة الدكتوراه في القانون والعلاقات الدولية على حساب الحزب والدولة والثورة !؟, وكان الرجل قبل أن يأتي إلى العراق … نائب مدير الأمن والمخابرات في  أحدى المحافظات , هذا الرفيق عندما ذهب إلى ليبيا وعمل هناك في مدينة سرت الليبية كاستاذ جامعي , كان يأتي كل عام إلى هذا البلد الذي درس فيه وأقيم به أنا , وكنت أسئله عن أوضاعه وكيف استقبال الليبين له , فكان سعيد جداً , ومن أغرب ما سمعته منه أنه قال لي والله يا أخ فلان , أهم عمل قمت به هو إني عملت وبذلت قصارى جهودي بأن جعلت كل من كان يحب الرئيس العراقي صدام حسين جعلته يكرهه ويمقته , وهذه أكبر خدمة قدمتها للعراق … فقلت له كيف يا أخي ألم تكن بعثي وكنت مسؤول ومنتمي للحزب منذ الخمسينات !؟؟, ( يقيم الآن في ألمانيا ) !؟,  ليس هذا فقط بل اكتشفت ووجدت أن أغلب الذين كانوا يكتبون عليَّ وعلى غيري التقارير الحزبية , وخاصة بعد الاحتلال , بدءوا يكتبون عليَ التقارير لمخابرات الدولة التي عشت فيها !؟, وعلى رأسها … بأني بعثي ,  صدامي ورجل أمن ومخابرات … ألخ , من الأكاذيب والجنجلوتيات التي مازلت أتذكر في أحدى التحقيقات معي من قبل أجهزة مخابرات تلك الدولة , عندما استجوبوني في مكتبي , وكنت أجيبهم بكل صراحة وشفافية وابتسامة عريضة وبدون خوف و لف ودوران , لأني كنت ومازلت وسأبقى صادقاً مع الله ومع نفسي ومع الآخرين , بعد انتهاء التحقيق , ضحكوا وقالوا لي بالحرف الواحد … نحن على ثقة تامة بما قلته , ولكن ثق أيها السيد فلان .. وللأمانة كانوا جداً مؤدبين ومهذبين معي … لو أعطيناك كل ما كتب عنك وعن عملك ونشاطك وحياتك في بلدنا .. من تقارير وصلت لنا من بعض أصدقائك ومن المقربين والمحيطين بك … لأستطعت أن تؤلف كتاب وتبيعه بثمن جيد جداً … نعم لقد كانت المرحلة قاسية , وقد كلفتني وجعلتني الغربة أدفع ضريبة عالية … أطلقت عليها أسم ( ضريبة الغربة وضريبة الاتماء الوطني ) , عموماً , بعد غلق ملفي الدراسي بدأت رحلة ومرحلة جديدة من المعاناة وعلى رأسها مطالبة والدي رحمه الله بتسديد الكفالة من قبل دائرة التجنيد , بالرغم من أني كنت طالب نفقة خاصة , وكانت أي الكفالة على ما أتذكر حوالي ( 6000 ألف دينار عراقي ) كان حينها مبلغ كبير , ناهيك عن شراء العملة الصعبة في السوق السوداء وارسالها بطرق ملتوية لي . المهم أنهيت الدراسة وحصلت على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية , خالفت رأي الوالد رحمه الله حينها بعدم العودة إلى العراق !, والبقاء في هذا البلد , وقلت له الدولة التي حرمتني من أبسط حقوقي  وأغلقت ملفي الدراسي لن أعود إليها الآن , واعتمدت على الله أولاً وعلى نفسي ثانياً , وقمت بفتح شركة خاصة   , وخلال عدة سنوات أستطعت أن أقف على قدمي بقوة ولله الحمد , وخاصة في فترة الحصار الظالم , وقفت مع أهلي وأقربائي وناسي في العراق , ولم أتخلى عن وطني , ودافعت عنه في جميع المحافل الدولية ورفعت العلم العراقي في المظاهرات والاعتصامات من أجل رفع الحصار ووقف العدوان , ومازلت وسأبقى  حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا , وكذلك وقفت مع السفارة العراقية في ذلك البلد ودعمتها بكل ما أستطيع ولدي ما يثبت ذلك بالوثائق الرسمية !, وعلى رأسها دعم ومساعدة أطفال العراق لشراء الدواء وحليب الأطفال في الأعوام ما بين 1993 – 2003 وهذا وسام شرف أعتز وأفتخر به وليست منّة أو فضل منّي …. يتبع الجزء الثاني

أحدث المقالات

أحدث المقالات