في شهر الله الفضيل، وفي ليلة هي عند الله خير من ألف شهر، وفي ختام شهر رمضان الكريم، أقدمت غربان الشر وتجار الموت والعنف والكراهية وجماعات التكفير والارهاب على أرتكاب عمل اجرامي جبان وغادر آخر يضاف الى سلسلة الاعمال العنفية الدموية التي يشنها هؤلاء الاشرار على وطني دون رأفة أو رحمة، أنه (تفجير الكرادة) في قلب العاصمة بغداد، التفجير المأساوي الذي أودى بحياة الكثير من الضحايا المدنين العزل، من عوائل وشباب وأطفال أبرياء، ليس لهم من ذنب سوى أنهم ولدوا في بلد محفوف بالمكاره والكراهية من كل حدب وصوب عبر التاريخ.
صار من الواضح للعيان حجم الحقد والتطرف والكراهية الذي تكنه تلك الجماعات الارهابية والتكفيرية للعراق الكبير ولشعبه العظيم، لما يمتاز به العراق من أهمية حضارية وتاريخية وأقتصادية وجغرافية عالمية ليس لها نظير، وهذا التميز الموقعي والموقع المتميز للعراق جعله محط أطماع الكثير من الغزاة والمحتلين والمجرمين وقطاع الطرق من لصوص الدول المجاورة ودول العالم أيضاً في الماضي والحاضر والمستقبل، ولذلك فالعراق وشعبه لا يهدأ ولا يهنأ أبداً ما دامت عيون المجرمين واللصوص والقتلة تحيطه من كل جانب.
والملفت للنظر ان دولاً وحكومات وجماعات كثيرة تحاول النيل من العراق وتصفية حساباتهم مع شعبه، لا لشيء الا لحقدهم الدفين وحسدهم لهذا البلد الكريم المعطاء على خيراته وثرواته وتاريخه العريق، ومحاولتهم تجريده من كل ذلك والنيل منه بكافة الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية، وقد أصبح العراق اليوم أكثر من أي زمن مضى، قبلة الارهاب والمجرمين واللصوص وقادة الجور وتجار الدم والحروب، ياله من زمن مأسوي نعيشه ونشهده ونحن نرى بلدنا وواقعنا وشعبنا يمر بتلك المرحلة التاريخية العصيبة والمرة، والتي تحتاج الى تكاتف وتعاون وقوة وأخوة من قبل جميع العراقيين لمواجهة الارهاب والقتلة والمجرمين والتكفيريين، ممن يبيح قتل المواطن العراقي وأستباحة دمه الطاهر وسرقة ماله وثرواته وهدم ومسخ تاريخه وحضارته الكبيرة التي أغنت باقي الحضارات والامم.
ان الدم العراقي يسيل يومياً بالمجان أنهاراً وبراكين، ولكنه لا يهز ولا يزلزل قلوب السياسيين والحكام والمسؤولين، ولا يحرك مشاعرهم الساكنة وضمائرهم الميتة، بل يزيدهم فساداً وعناداً وظلماً وعدواناً، لا يأبهون لكل ما يحدث في بلدي من مجازر ومصائب ومحن، فهم في وادٍ والبلد وأحداثه وحوادثه في وادٍ آخر، كأنهم خشب مسندة، بعيدون كل البعد عنا، فهم ليسو معنا
وسيوفهم علينا، وهذا ما يجعل الشعب ناقم عليهم وغاضب غضباً شديداً من جراء سياستهم الباردة وأعمالهم المتطرفة وطريقة حكمهم وسوء ادارتهم للبلد، وسوقهم الناس نحو الموت دون رحمة ورأفة، وهذه هي مأساتنا الكبرى فيمن يقود بلدنا، بسلطاته الثلاث، وهذا ما جعل العراق يحتل المرتبة الاولى عالمياً في حجم الفساد والخراب والعنف.
ويتسائل الكثير منا لماذا هذه الاستراتيجية السيئة والمتخلفة في ادارة العراق، ولماذا تتكرر الخروقات الامنية بصورة مستمرة دون رادع او محاكمات او تحقيق يثبت تورط الجهة المسؤولة عن هذا الاجرام والفساد والخراب، ولماذا الصمت القضائي والشعبي والدولي عن تلك الممارسات الدموية التي ترتكبها دول الجوار مع العراق، من مساندة وتأييد وتمويل للارهاب والفساد والتطرف، ولماذا لا تكون هناك خطط أمنية وأدارية وقضائية وأقتصادية تنقذ البلد مما هو فيه من أنحرافات وفساد ومآسي، وما هو مصيرنا ومستقبلنا المرتقب على مدى السنوات القادمة، خير أم شر، نجاح أم فشل وأخفاق، اصلاح وتغيير أم عنف وتطهير عرقي وطائفي، وعود وتنظير وكلام فارغ أم تطبيق وبناء وأفعال؟؟؟؟ هذا ما ستثبته الايام والرجال.
تتجدد الاحزان والمآسي والمحن في بلدي بدم بارد ومشاعر هشة من قبل السياسيين والمسؤولين، بل والكثير منهم من قد يكون متورطاً وداعماً وممولاً في قيام تلك الوقائع والاحداث اليومية الدامية التي تهز العراق، وهذا ما تؤيده تصريحاتهم الطائفية القذرة التي يبثهونها على الفضائيات ووسائل الاعلام، انها تقتلنا ألف قتلة، وتبيدنا دون رحمة، أن سمومهم العفنة ومواقفهم النتنة مدفوعة الثمن من قبل عملاء الداخل والخارج، وممولي الارهاب العالمي، وهو ما يجعلهم يتحدثون بقوة دون حسيب أو رقيب، ولا راد على أرهابهم وفسادهم، بل يمضي كل شيء بغطاء وأسناد من قبل ساسة الجور وحكام الارهاب العالمي.
اننا نفتخر بما يقوم به الجيش العراقي والحشد الشعبي وقواتنا المسلحة وأبناء الشعب العراقي، من انجاز وأنتصار وبطولات تاريخية، في مواجهة الارهاب والتطرف العالمي تجاه بلدنا، ولكن يحاول الكثير من العملاء والسياسيين المنحرفين ان يقلل من حجم هذه الانتصارات وقيمتها، ومحاولة اضفاء الطابع الطائفي عليها، رغم انها صولات كبرى يقوم بها الابطال والشجعان للحفاظ على وحدة البلاد وأرواح العباد وممتلكاتهم وتحقيق أمنهم، ولكن كلاب البيت تنبح على حماة أهلها، وتنهش بهم وتتربص بهم ليل نهار، لتقلل من قيمة الفوز والانتصار بأفعالهم وأقوالهم النكراء، التي هي من تقف يداً بيد مع الارهاب والاغراب، وهي التي تريد سحبنا الى أتون حرب طائفية وتدعو للتقسيم وتمزق البلد شر ممزق، بدعواتهم وأقوالهم المأجورة التي تمضي دون محاسبة أو مقاضاة من قبل برلمان أو قضاء.
ان مصائبنا تتمدد، وحزننا يتجدد، وفسادهم ليس له حد، ومآسينا ومحننا لا تبصرهم ولا تهزهم، بل تعمي قلوبهم وابصارهم، وها هي بغداد تشتعل من جديد، وتطعن في ليلها الهادىء بخنجر الارهاب المسموم، وتحيل نهار بغداد الابيض الى عتمة وسواد، والى كآبة وسحابة حزن تظلل على رؤوس البغداديين والشعب العراقي أجمع، لقد أقضت (مجزرة الكرادة) الاليمة مضاجع العوائل، وأحالت عيدهم وفرحتهم وبهجتهم الى حزن مدقع وخراب بلقع، حقاً بتلك الفاجعة الاليمة والمصاب الجلل تهدمت والله أركان الوطن.