“وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا”.
إن الجنبة المهمة من بين جميع الجنبات، بل الأهم، هي الجنبة المرتبطة بدور الجيش العراقي الباسل والقوى الأمنية البطلة كافة المرتبطة برئاسة الوزراء وعلى رأسها الحشد الشعبي المقدس في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد تحرير الفلوجة، مرحلة ما بعد ميقات يوم الفصل يوم النصر العظيم.
جهود استثنائية مبذولة تشكل بمجملها الجهد الفعال والمؤثر في تحرير الفلوجة وصنع النصر المؤزر وما سبقتها من المدن العراقية التي حررت من قبضة عصابات داعش بسابقة لا يتمكن من انجازها إلا اقوى وأمهر الجيوش العالمية المدربة تدريبا خاصا في ادارة حرب العصابات، والمسلحة تسليحا فعالا لمعالجة أهداف العدو المتأرجحة، والمجهزة تجهيزا مميزا للتعايش والغش والاختفاء وملائمة الظروف المناخية القاسية.
تلك الجهود وللأسف الشديد سبق وأن تعرضت ومازالت تتعرض لحملات اعلامية عدائية مغرضة من قبل طائفيي وسياسي المرحلة من الداخل والخارج، وهي بالنتيجة لا تدل إلا على ضآلة عقولهم وانحطاط نفوسهم، فقالوا في حينه عن الجيش الباسل بأنه؛”جيش المالكي” أو”الجيش الصفوي” وعن الحشد المقدس بأنه”مليشيات طائفية”، الغاية من تلك الحملات؛ لتعطيل تلك الجهود، ولتغييب تلك الأدوار، وللتعبير عن حالات الغل والحسد والحنق والبغض، ولمؤازرة داعش، ولإيقاظ الفتن، ولإرباك الجو السياسي والاجتماعي في الشارع العراقي.
لقد قدمت تلك القوات قرة عيونها وخيرة رجالها شهداء وجرحى، وبذلت الغالي والنفيس من أجل اعلاء كلمة الحق والإسلام وإعلاء راية العراق وشعبه خفاقة عالية، واستعادة الأراضي المحتلة لأهلها والاملاك المغصوبة لأصحابها.
إن التعاون الوثيق الذي بذل من قبل تلك القطعات، تعاونا قل نظيره في جميع جيوش العالم، إذ صار الحشد ظهيرا حقيقيا ورديفا مضحيا للجيش، والجيش عضيدا مخلصا للحشد، كيف لا!! وهما شقيقان ولدا من رحم واحد وإن تنوعت بهم السبل للوصول إلى اهدافهم، فصارا بتلك الوشائج صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضهما الآخر، تيمنا بحديث رسول الله، القائل(ص): “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضا”، وهذه واحدة ايضا من استحقاقات هذه المرحلة.
وإلى الذين يريدون أن ينالوا من الجيش وسمعته وينتزعوا مكانته ويوقعوا بينه وبين رديفه الحشد المقدس، نقول لهم؛ إن الجيش العراقي الباسل جاد بالكثير من الشهداء وقدم الكثير الكثير من التضحيات الجسام على طول مدى تاريخه المشرف، وتحمل ما تحمل من نزوات ونوازع السياسيين ومهاتراتهم، ودفع اغلى الاثمان وأعلاها بسبب تآمر القادة وتخاذلهم عندما باعوا الجيش والوطن بدراهم معدودات في مواقف موثقة ومعروفة، حينما زجوه بمعارك خاسرة لا طائل لها ولا هدف، ولا تتكافأ مع تاريخه ومكانته ومع دوره المشرف منذ تأسيسه في مطلع القرن المنصرم ولغاية يومنا هذا، ومن يريد أن يرمي الجيش باللائمة وبالتبعات والتقريع، عليه بدلا من ذلك أن يكون شجاعا ومنصفا لكي يطالب بمحاكمة كافة القادة السياسيين والعسكريين على مدى تاريخه والذين تسببوا بهزائمه وكسر شوكته لتقر بذلك عيون العراقيين ولتصحح بصمة التاريخ، وليبق بذلك الجيش حارسا مغوارا أمينا للوطن، يؤازره في ذلك رديفه الغيور الحشد الشعبي المقدس وطلائعه الجبارة الشجاعة البطلة، وليبقيا خارج الميول والإتجاهات إن أريد لهما ان يحافظا على دورهما ومهنيتهما.
النصر في الفلوجة، أثبت ودل على مدى تعاون وانسجام مختلف القوات الأمنية والتنسيق الفريد والوثيق فيما بينها وبين جميع الوحدات المرتبطة بتلك القطعات، كما خلق حالة من حالات التحدي والاستفزاز للسياسيين المتأزمين والمحاصصين والمارقين، وفي نفس الوقت عزز هذا النصر من امكانية رفع معنويات الشعب والمقاتلين وعزز من مكانة القوات الأمنية في نفوس المواطنين، خاصة النازحين منهم لما بذل لهم من قبل القطعات المشتركة من جهود انسانية إستثنائية كتقديم الخدمات وتأمين أمنهم وسلامتهم.
وفي جميع الأحوال، فالنصر الذي تحقق، تحقق بفضل تعاون القطعات الأمنية والتنسيق الدقيق فيما بينها، وبفضل وقفة وتضحيات الحشد المقدس-“يذكر أنه ما كان هناك نصرا أصلا أو تحريرا لعرض وأرض لولا شجاعة وشكيمة الحشد المقدس، ولكانت داعش تصول وتجول في المدن العراقية بسبب تغييب دور الجيش العراقي اثر الإنتكاسات الحربية التي تعرض لها عقيب سقوط الموصل وما تبعها من تداعيات وانتكاسات في قواطع المدن الاخرى”-.
الموصل سوف تتحرر بالقريب العاجل إن شاء الله وبجهود وتنسيق وتعاون القطعات المشتركة، سيما وإن الطريق المؤدي لتحريرها كان يمر عبر تحرير مدينة الفلوجة العصية، العصية بسبب الدروع البشرية من السكان المحليين المدنيين الذين اختطفتهم داعش وأحتجزتهم كرهائن عند اغتصاب الفلوجة ومنعتهم من الخروج منها والذين يعدون بعشرات الآلاف حسب تقديرات الجهات الأمنية والأمم المتحدة.
هذا وعلى الشيعة والسنة السياسيين أن يبلوروا مواقفهم المضادة لداعش، ويتداركوا حالات عدم الإنسجام في بعض المواقف، وعليهم من الآن وصاعدا إن ارادوا تجنب خرق صفوفهم، عليهم أن يضعوا الحلول المناسبة لبقية المسائل المختلف عليها كقداسة الحشد الشعبي، وليعتبروا هذا الإستحقاق هو الإستحقاق الأبلج الأول لمرحلة ما بعد النصر في الفلوجة، تتبعها بقية الاستحقاقات السياسية الاخرى كعودة النازحين الى ديارهم معززين مكرمين، وانجاز الاصلاحات والقضاء على الفساد وإعادة المبالغ المسروقة والمنهوبة إلى خزينة الدولة، والاتفاق على الأراضي المتنازع عليها مع المكون الكردي وقانون النفط والغاز، وأن يعيشوا اجواء الانتصار ويتذوقوا حلاوة التصميم والإرادة العراقية في انتزاع وتخليص الأراضي العراقية من الاغتصاب وعودة الاهل والاحبة إلى ديارهم وأوطانهم.
ختاما فالانتصار في الفلوجة لم يكن انتصارا في معركة محدودة بل في حرب اجمالية وفاصلة بين أصحاب حق وباطل، ومادام أن الحرب عالجت خاصرة بغداد المتوعكة وأعني تحرير الفلوجة فعلينا من الآن أن نفكر وبشكل عملي وملموس بتطبيق سيد الاستحقاقات والمطالب الجسام ألا وهو التحرير، وأعني تحرير بغداد العاصمة من عمليات داعش التفجيرية والانتحارية، والقضاء المبرم أيضا على الجريمة المنظمة وتنسيق أعمال وجهود الجانب الأمني والاستخباري والمعلوماتي، والانضباط العسكري والشرطوي، لتحقيق تلك المطالب.والله ولي التوفيق. قال رسول الله (ص): “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه،فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”.