بين منطقتي الشعور و اللاشعور في عقل الانسان هناك منطقة وسطية تسمى ب ( ماقبل اللاشعور) او ( مابعد الشعور) , هذه المنطقة تختزن بها الذكريات القريبة زمنيا ) والتافهة من ناحية الاهمية ) فهذه الاحداث لا تمتلك الاهمية التي تجعلها ترّحل الى اعماق اللاشعور ولاتمتلك القِدم الكافي ( اذا عرفنا ان اللاشعور هو مخزن الذكريات التي لم يعد العقل الواعي قادرا على الاحتفاظ بها , وبما ان ليس هناك شيء اسمه نسيان او ضياع لهذه الذكريات فانها ترحل الى العقل الباطن ولا يمكن استعادتها الا بارتخاء سيطرة العقل الواعي الدكتاتور على العقل اللاواعي المكبوت كما يحدث عادة في النوم او المخدرات و السُكُر او السقطات او التنويم المغناطيسي اوالتداعيات المحفَزة من قبل الطبيب ) .
الحلم غالبا , ان لم يكن دائما , هو امنية يتمناها النائم لا اكثر و لا اقل وهذه الامنية نادرا ما تظهر بشكل واضح وصريح وغالبا ماتظهر بشكل مشوه ومتنكر لاسباب عدة اهمها المحرمات و الوازع الذاتي الاخلاقي الذي يجعلها تخرج بشكل متنكر تجنبا للسيطرة التي يفرضها الانا الاعلى المبدئي الاخلاقي .
مايحدث عادة هو ان احدى الامنيات المكبوتة في العقل الباطن تحاول الخروج ليراها النائم في حلمه وكانها تحققت . الامنية تكون مخزونة في اعماق العقل الباطن وكثير من الذكريات و الاماني قد تراكم بعدها فخروجها يكون صعبا جدا بل مستحيلا الا بمساعدة خارجية وهذه المساعدة تجدها من احدى المخزونات في منطقة ماقبل اللاشعورالاقرب الى منطقة الشعور وكأنها تمد يدها لتسحبها الى الخارج ومنطقة ماقبل اللاشعور كما قلنا منطقة تخزن بها احداث اليوم السابق التي لم تخزن بعد . بمعنى اخر ان الامنية القديمة من العقل الباطن تستعين باحدى ذكريات اليوم السابق و يخرجون سوية ليشكلوا الحلم لذلك ترى الاثنين عادة في الحلم . من صفات مخزونات منطقة ماقبل اللاشعور انها من احداث اليوم السابق و انها احداث تافهة ليست لها اهمية ويحدث في مرات ان نراها كاحلام منفصلة في فترة النوم الخفيف والتي يمكن تذكرها بعد الاستيقاظ بسهولة وعادة لا تعاني تغيرات كثيرة .
التساؤل المنطقي هو ان في الحلم عادة لا شيء يشي بان ما اراه هو امنية بل انها قصة او احداث لا توحي بان بها امنية . والجواب هو اننا نحتاج عادة الى ربط تداعيات احداث الحلم لكي نصل في النهاية الى امنية , اي اننا لا نكتشفها الا بحل رموز التداعيات لان الامنية قد عرضت بشكل مشوه لتلافي الحظر المفروض من الانا العليا الاخلاقية و قوانينه الاجتماعية الصارمة .
كلما كانت الامنية مخالفة اكثر للتراث الاخلاقي المخزون في الانا العليا كلما تشوهت اكثر او تنكرت اكثر لتستطيع العبور عبر سيطرات الانا العليا . مثال على ذلك الحلم الشائع الذي يظهر باشكال مختلفة وهو في حقيقة الامر امنية طفلة تحب ابوها وتتمنى ان تتزوجه وهي لاتفقه اصلا مامعنى الزواج لكنها حين كبرت , فهمت الامر ومحرماته فخزنت الامنية في اعماق العقل الباطن ونسيها عقلها الظاهر ومن ثم تراكمت امنيات وذكريات يومية اخرى فوقها فصارت في اعماق سحيقة من العقل الباطن , نفس الامر بالنسبة لطفل يحب امه و يتمنى زواجها . هذان الامران طبيعيان ماداما خزنا في العقل الباطن بامان اي اختفيا من العقل الظاهر لكن الخلل في هذا يؤدي الى عقدة الكترا وعقدة اوديب المعروفتين .
التنكر الذي يفرضه الخوف من الانا العليا قد يشمل وضع شيء بمكان شيء اخر لكنه يرمز له في خيال الشخص النائم وكمثال على ذلك فان النائم لديه في ذكرياته صورة شاهدها في يوم من الايام لشخص مقتول في حديقة وكانت هناك قطرات دم على زهرة اوركيد قريبة وهذه الصورة مخزونة في اعماق عقله الباطن بحيث هو لا يتذكرها في عقله الظاهر . في الحلم يستعيض هذا النائم عن عملية القتل بزهرة اوركيد حمراء وهكذا. قد يكون الخزين الذي يستعان به للترميز به هو من التراث الاخلاقي العام او من المعلومات العامة التي يشترك بها الشخص النائم مع كل الناس والتي لها معنى عام لذلك يستطيع المفسر في هذه الحالة الاعتماد على معنى عام لهذا الرمز في الحلم ينطبق على الجميع كمن يقول ان الافعى تعني عدو مختبيء مثلا حيث ان الافعى تعني للنائم في مخزونه الفكري كعدو مختبيء وهو نفس ماتعنيه الافعى لكل الناس لذلك امكن القول هنا ان الافعى في الاحلام عامة تعني عدو مختبيء .
من اساليب التنكر الشائعة جدا في الاحلام استعاضة شخص معين بشخص اخر وعادة ما تستخدم في اوقات الحب و الكره المحرمين كما في حلم زواج الطفلة من ابوها مثلا او كره فتى لابوه . نستطيع اكتشاف التزوير هنا بسهولة في غالب الاحيان حيث يحدث انفصال بين المشاعر التي يشعر بها النائم في الحلم و بين المشاعر المفترض ان يشعر بها في الحالات الطبيعية فمثلا رؤية اب يموت في الحلم و الحالم لا يهتم و لا يتاثر ولا يحزن , يعني بما لايقبل الشك ان الاب في هذا الحلم هو رمز لشخص اخر وليس الاب .
الملخص هو انك لكي تفسر الحلم بشكل علمي عليك اولا ان تزيل ذكريات اليوم السابق التي تواجدت فقط للمساعدة في اخراج الامنية القديمة من الاعماق السحيقة ثم تحاول فك رموزالفكرة والتشويهات او ازالة التنكر عن الفكرة لتصل الى الامنية الموجودة في الحلم وهذا في الحقيقة امر صعب جدا لغير المختص يقرب ان يكون مستحيلا والحمد لله . واقول الحمد لله لانه ليس من المحبب للانسان رؤية الجانب الحيواني من نفسه او جانب الانا الذي هو اساس شخصيته القبيح والمغلف بطبقة من الشيكولاته اللذيذة من الاخلاق و القيم العليا الذي فرضته الحياة الاجتماعية التي نعيشها كوننا كائن اجتماعي يعيش في مجتمعات .
سؤال خارج عن الموضوع : هل هذا يعني ان الكائنات التي تعيش منفردة ( ليس في مجتمعات ) ليس لها عقل باطن وانا عليا بينما في جانب اخر هل جميع الكائنات ( المتقدمة نسبيا على الاقل ) لها انا عليا و عقل باطن ؟ كثير من الكائنات تحلم فهي تمتلك عقل باطن اذن بالتاكيد . وماذا عن الانا العليا ؟ كونها تعيش في مجتمعات فهذا يعني ان هناك ظوابط و الظوابط هي اخلاق ومباديء عليا ( بدائية ام غير بدائية لا يهم ) اذن هي تملك انا اعلى .