توسع مفهوم الإبداع والجهد الخلاق وخدمة الإنسانية ليأخذ أبعاداً متعددة.. وهو مسألة طبيعية مع توسع مجالات الحياة والعلم والتطور.. مقابل الجهود المعاكسة في محاربة الإنسان والحضارة والتقدم ومحاولات تدمير البشرية.. بالمقابل لا بد من توسع وتعدد الجوائز الإبداعية بمختلف أصنافها.. حتى وصلنا إلى توسع بشكل خرافي ..
كان تقديم جائزة أو شكر لجهد متميز يتطلب تقيماً وفق أسس تصل إلى درجة نبيلة.. من أن تمنح هذه الجوائز لمستحقيها فعلاً.. إن لمنح جوائز التقدير والإبداع أهمية موضوعية ومعنوية واجتماعية وعلمية.. قبل أن تكون ذات مردود مالي.. فجوائز نوبل التي تمنح للمبدعين في الأدب والطب والفيزياء والكيمياء والعلوم.. حيث يتم تكريم الذين أجهدوا أنفسهم في تقديم ما يفيد البشرية.. ويقدم للعالم انجازات يستفيد بها ومنها ملايين البشر.. وهكذا حصل المبدعون والعلماء والأدباء والأطباء والمخترعون والفنانون وغيرهم من المبدعين ..
في أوائل العام 1980 حضرتْ الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية الى روما للمشاركة في مهرجان الفنون والفلكلور الشعبي الدولي الذي يعقد قي ايطاليا.. وكانت فرقتنا مصممة أن تحصل على جائزة (المعبد الذهبي).. وهي الجائزة الإبداعية التي تمنح للفرقة التي ستبدع في المهرجان الدولي هذا.. وقد شارك في هذا المهرجان (65) فرقة عالمية في الفلكلور الشعبي يمثلون 65 دولة ..
تحركتُ (أنا كاتب هذه المقالة) باعتباري المستشار الصحفي في روما.. والتقيتُ لجنة التحكيم للمهرجان.. ووجدتُ إن الشروط والمقاسات المحددة لنيل جائزة المعبد الذهبي لن تستطيع أية فرقة الحصول عليها.. إلا إذا قدمت إبداعاً حقيقياً.. يميزها عن بقية الفرق الأخرى.. نقلتُ الصورة لفرقتنا.. فزاد تصميمها لنيل الجائزة.. وبعمل متواصل لأسبوعين وتدريب.. ومشاهدة فلكلور الفرق الأخرى.. قامت فرقتنا بتقديم أعمال مميزة صفق لها كل الايطاليين والزوار الأجانب وحتى بعض الفرق المشاركة.. وتناقلت الصحف ومحطات التلفزة الايطالية والعالمية فعاليات فرقتنا.. واندهش العالم بما قدمناه من فلكلور عراقي أصيل.. وانتزعنا جائزة المعبد الذهبي الأولى بإبداع حقيقي ..
في العقود الثلاثة الأخيرة تغيرت الصورة.. وأصبح توزيع هذه الجوائز لمن هب ودب.. أو من يدفع أكثر.. مقابل استغلال كل شيء من قبل الكثير من الناس.. من اجل الوصول إلى أهداف نبيلة بوسائل قذرة.. للحصول على مثل هذه الجوائز.. مثال واحد مخزي لهذا التوزيع : فقد حصلت إحدى الإعلاميات خلال شهر واحد على خمس جوائز تقديرية.. وكتب عنها ما لم يصدق.. وتم نعتها بأوصاف عجيبة منها: (بالمكسب الإعلامي.. وأميرة الصحافة.. والسفينة).. وهي لا تعرف كتابة الخبر أو التقرير الصحفي أو التحقيق الصحفي.. ولا حتى أبجديات الإعلام.. والمضحك إنها تكتب الدكتوراه (دكتوراء).. وهناك العشرات ممن لا إبداع بل لا إنتاج حقيقي لهم.. وغرفهم أو مكاتبهم تعج بشهادات التقدير والإبداع من مؤسسات لا قيمة لها ..
وهكذا تأسست مؤسسات عالمية لتوزيع مثل هذه الجوائز.. بعيداً عن الموضوعية والأسس العلمية.. فتمنح شهادة الدكتوراه الفخرية للجهلة والأميين.. وتمنح شهادات ملكات الجمال من وراء الستار لمن لا تستحق ذلك.. وتمنح جوائز الأدب لمن لا أدب لهم.. وتمنح جائزة أحسن قصة لكاتب قصة وضيعة.. وتمنح جوائز السلام لتجار الحروب.. بل وصل الأمر إلى الدعوة لتخصيص إحدى جائزة نوبل إلى أكبر منافق.. حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تمثل صورة مسيئة لهذه الجوائز الوضيعة !!
كيف نعيد ترتيب أخلاقياتنا وقيم المجتمع وسلوكيات أفراده ؟.. ونقول للصح.. صح.. ونقول: للخطأ.. خطأ.. ونحترم العلم والإبداع الحقيقي..والجهود الموجهة لخدمة الإنسانية.. ونوقف هذا التداعي لمهرجانات الخزي والعار تحت سقف العلم والإبداع ؟؟
ملاحظة : لكل قاعدة استثناء ولكن الاستثناء في الجوائز الإبداعية في العراق نادرة جداً في هذه السنين ..