ربما يتبادر الى ذهن القارئ والمتابع ، ان بعد هذه الزوبعة السياسية والتظاهرات وما لحقها من اعتصامات ، ان هناك ثورة سياسية سوف تحصل في البلاد ، وان هناك تغييراً واضحاً سيكون في هيكلية الدولة العراقية ، خصوصاً بعد مناورة الصدر واعتصامه داخل المنطقة الخضراء ، وإبقاءه لاتباعه متأهبين على ابوابها ، وهو ما شكل ضغطاً لافتاً على قيادات دولة القانون ، والذين اعتبروه تهديداً لكيانهم ونفوذهم السياسي ،ناهيك عما تعانيه قيادات الدعوة من خوف وذعر من نتائج اعتصام الصدر ، وهو ما بدا واضحاً في تصريحاتهم المتشنجة ، وتوجيه الرأي العام نحو ما يهدد هذه الاعتصامات من عمليات ارهابية محتملة ، وغيرها من اشاعات بُثت من اجل إنهاءها . ان الوضع الذي يمر به البلاد غاية في الخطورة سواءً في الجانب الامني والذي طغى على الجانب السياسي والاقتصادي ، فضلاً عن الضعف الكبير في القدرة على إنقاذ مؤسسات الدولة من الانهيار ، الامر الذي جعل جلها تعاني جموداً سياسياً او اقتصاديات ، لم يمر على البلاد منذ تاسيسه ، الامر الذي يجعل عملية الاصلاح حتمية ، وعلى ان تكون مسبوقة برؤية واضحة واهداف مرسومة يكون مضمونها بناء دولة مؤسسات ، وتكون خاضعة لارادة الجميع ووفق إطار القانون والدستور العراقي ، خصوصاً وان السيد العبادي يسير بمشروع خاص به لم يطّلع عليه احد وخطواته التي يتخذها بعيده جداعن اي توافق سياسي ، ويسير نحو اختيار كابينته هو فقط دون تدخل اي طرف وهذا العمل بالقراءة السياسية عملية انقلاب ( ناعم ) على العملية السياسية ، والسؤال الأهم ماذا سيحصل لو فاجأ العبادي الجميع باختيار وزراء جدد وأعفى جميع وزراء الكتل الموجودين ؟ ماهي ردت فعل القوى السياسية ؟ كيف سيمررهم بالبرلمان ؟ هل ستقنع هذه الخطوة المتظاهرين ام سيعتبرونها استغفال لهم واستهانة بطلباتهم ؟ ماذا عن موقف المتظاهرين ، والمعتصمين بعد إنهاء اعتصامهم ؟!!على الرغم من تباين المواقف بين الكتل السياسية المعلنة تجاه هذا الامر ، الا ان المواقف الغير المعلنة عبرت عن خشيتها تجاه هذه الاصلاحات ،وهي ان عملية الاصلاحات تستوجب مسك القرار السياسي في البلاد ، وهذا ما جعل السيد العبادي في موقف القوي ، اذ أمسى المسؤول الاول عن صنع وتنفيذ السياسات العامة دستورياً في الدولة ، كمان مضمون هذه الاصلاحات لا يعد كونه إجراءات فاقدة للرؤية الواضحة والشاملة للإصلاح ، والهدف هو مسك القرار السياسي ، وبلورة حركة سياسية تسحب زخم التظاهرات والاعتصامات وامتصاص غضب الجمهور، مما جعل السيد العبادي يلجأ الى القوى السياسية من جانب ، والى البرلمان من جانب اخر ، لكسب تأييد ومواقف البرلمان ، والسير تحت غطاءه القانوني ، ومساندته للقيام بالاصلاحات ، خصوصاً بعد فزع شبح الأزمة المالية التي ضربت البلاد ، والتي هي الاخرى تحتاج الى قراءة وتحليل ، كما انها جزء من نتاجات سوء الادارة المالية والفساد المستشري في موسسات الدولة كافة . ان عملية الإصلاح اذا ما تم تنفيذها بسرعة ودقة ورؤية موضوعية ، وضمن جدول زمني محدد فأننا نكون قد قمنا بعملية اصلاحية وتغييرية كبيرة واصلاح جوهري للحقيبة الوزارية ، وهيكلة المؤسسات ووضعنا اقدامنا على الطريق الصحيح ، واما اختزال كل المشاكل بتغيير عدد من الوزراء تعد عملية هروب الى الامام وتدوير للازمة وليس إدارتها وبذلك لا يراد لعملية الإصلاح ان تسير ، وان يبقى الوضع سائب ويسير نحو الفوضى .