“إذا أردت أن تعرف مدى الاستياء الذي يشعر به سكان الموصل، بعد أن طردت القوات العراقية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من معظم أنحاء المدينة، فما عليك إلا أن تتحدث إلى صدام حسين”.
بهذه العبارات الموحية استهلت وكالة “رويترز” للآنباء، أحدث تقاريرها عن معاناة أهالي ومواطني ثاني أكبر المدن العراقية “الموصل” تحت نير حرب القوات العراقية الوطنية مع تنظيم “داعش” الإرهابي. تردف رويترز في تقريرها موضحة: “ليس الديكتاتور ولكن “المعلم” بالموصل الذي يستعرض بفخر بطاقة هوية تحمل الاسم الذي سماه به والداه تكريماً للحاكم قبل 45 عاماً والذي سمى به أبناءه”.
سبب استمرار شعبية الرئيس الراحل داخل الموصل..
صدام الأصلي، وهو حاكم أطاح به غزو قادته الولايات المتحدة من السلطة عام 2003 وأعدمته السلطات بعد ثلاث سنوات في قاعدة للجيش العراقي بسبب جرائم ضد الإنسانية، شخص يمقته الشيعة الذين يشكلون أغلبية العراقيين وتعرضوا للقمع العنيف في عهده.
يوضح التقرير بقوله: “لكنه هنا في الموصل، حيث معظم العراقيين سنة، يشعرون بأن السلطات في بغداد لا تحترمهم، لا يزال محبوباً”.
ويقول المعلم “اسمي صدام وجميع أبنائي الثلاثة اسمهم صدام لأني أحبه. صدام هو أفضل قائد عرفه العراق”. بحسب ما اوردته رويترز.
وتؤكد وكالة الآنباء على انه “عندما اجتاح مقاتلو داعش الموصل في 2014، كان أنصار الرئيس المخلوع من بين الذين رحبوا بهم باعتبارهم حامين لهم من السلطات الشيعية وتعهدت مجموعة من الضباط السابقين في عهد صدام بدعم خلافة الدولة الإسلامية”.
ثم تحول معظم سكان الموصل ضد المتشددين خلال حكمهم القاسي، الذي استمر عامين، وقال المعلم إنه لم يؤيدهم مطلقاً. “لكن قليلين هنا يثقون في السلطات المركزية التي عادت لممارسة سلطاتها هناك الآن”.
مشيراً التقرير إلى انه “خسر المعلم صدام راتبه تحت حكم تنظيم داعش، عندما توقفت بغداد عن إرسال الأموال لدفع رواتب الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة المتشددين”.
وصدام، شأنه شأن كثيرين في الموصل، يمر بعملية تدقيق طويلة للعودة إلى عمله وهو ما يعتبر أنه ينطوي على تمييز وعدم إنصاف.
وعندما وصل القتال إلى حيه فر مع أسرته إلى مخيم للأمم المتحدة. والآن عاد إلى بيته القديم لكن صاحب المنزل بصدد طرده إذ لا سبيل له لدفع الإيجار لعدم تقاضيه راتباً. وستصبح الأسرة قريباً بلا مأوى حيث لا يوجد مكان يذهب إليه سوى العودة إلى المخيم.
وقال: “فقدت كل شئ. لم يعد بوسعي إطعام عائلتي. لا أستطيع أن أدفع الإيجار لكني لا أريد الانتقال مع أسرتي للمخيم مرة أخرى. سئمت حقاً من هذه الحياة”.
تحررت اجزاء كبيرة من المدينة ولكن بقي احتلال “الشعارات الدينية”..
جدير بالذكر ان معركة تحرير الموصل من “داعش”، التي دخلت الآن شهرها السابع، هي أكبر معركة برية في العراق منذ 2003. وخضع كثير من مناطق المدينة للسيطرة الكاملة للحكومة منذ أواخر العام الماضي لكن لا يوجد ماء أو كهرباء.
ووضعت السلطات لوحات جديدة مع صور للمعالم التاريخية للمدينة أو لنهر دجلة، مع رسالة تحث المواطنين على العودة إلى الحياة الطبيعية.
لكن تحتها تحمل الجدران شعارات دينية شيعية كتبتها القوات الحكومية بالطلاء وهو أمر يقول سكان سنة إنه يجعلهم يشعرون أنهم يعيشون تحت احتلال.
ويقول بائع الأجهزة الإلكترونية “وائل فيصل”، في إشارة إلى الشعارات المكتوبة على الجدران، “السياسة تهيمن عليها جماعات طائفية وسياسية.. لم تنفذ بغداد أي مشروعات تنموية في الموصل منذ 2003”.
وفي ظل استمرار عدم دفع الرواتب تضطر الأسر إلى تسول الطعام في المساجد. وتجمع أكثر من 100 عامل سابق بالسجن الحكومي في شرق الموصل يوم الأربعاء الماضي، وشكوا من عدم تقاضي رواتبهم منذ ما يصل إلى ستة أشهر.
ويتابع فيصل: “ليس لدينا مياه أو كهرباء.. هذا هو الفساد السياسي الذي نعاني منه”.
المناخ الطائفي المخيم ينذر بتوالد التيارات المتشددة..
يقول كثيرون الآن، إن الأوضاع ستوجد تربة خصبة لنشأة جماعة متشددة أخرى في الموصل التي أصبحت مركزاً للمقاومة السنية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
“فرناس” طالب، وصاحب متجر لبيع المصابيح الكهربائية في شرق الموصل الذي أعلنت السلطات “تحريره بالكامل” في كانون ثان/يناير الماضي، يقول: “أعتقد أن المستقبل سيكون أسوأ لأن الحكومة المركزية لن تهتم بالموصل مجدداً”.
مضيفاً: “يعني إيه داعش؟.. داعش جاءت نتيجة لعدم اهتمام بغداد بالموصل.. إذا لم يتغير هذا فستكون هناك جماعة آخرى باسم مختلف وبأشخاص مختلفين ربما غير ملتحين”.
من جانبه علق معاون لمحافظ نينوى، وعاصمتها الموصل، إن السلطات تعمل بدون توقف. وأضاف: “لقد أعدنا الكهرباء في بعض المناطق لبضع ساعات وستتحسن تدريجياً. نستعيد أيضاً المياه لكن بعض أجزاء النظام (الشبكة) تعرض للدمار. وقال: “نعمل ليل نهار لخدمة المواطنين لكن إمكاناتنا محدودة لأن الدعم الذي نحصل عليه من بغداد محدود للغاية. نحن بحاجة لمزيد من الدعم”.